للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أمثلة الدنيا: قال يونس بن عبيد: شبهت الدنيا كرجل نائم، فرأى في منامه ما يكره وما يحب، فبينما هو كذلك انتبه.

ومثل هذا قولهم: الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا.

والمعنى انهم ينتبهون بالموت وليس في أيديهم شئ مما ركنوا إليه وفرحوا به.

قيل: إن عيسى عليه السلام رأى الدنيا في صورة عجوز هتماء (١) عليها من كل زينة. فقال لها: كم تزوجت؟ قالت: لا أحصيهم. قال: فكلهم مات عنك أو كلهم طلقك؟ قالت: بل كلهم قتلت، فقال عيسى عليه السلام: بؤساً لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين، كيف تهلكينهم واحداً بعد واحد، ولا يكونون منك على حذر.

وروى ابن عباس رضى الله عنه قال: يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء (٢) زرقاء أنيابها بادية، مشوه خلقها، فتشرف على الخلق، فيقال: هل تعرفون هذه؟ فيقولون نعوذ بالله من معرفة هذه. فيقال: هذه الدنيا التي تشاجرتم عليها وبها تقاطعتم الأرحام، وبها تحاسدتم وتباغضتم واغتررتم، ثم تقذف في جهنم، فتنادى: يا رب أين أتباعي وأشياعي؟ فيقول: ألحقوا بها أتباعها وأشياعها.

وعن أبى العلاء، قال: رأيت في النوم عجوزاً كبيرة عليها من كل زينة، والناس عكوف عليها متعجبون، ينظرون إليها، فقلت: أعوذ بالله من شرك. قالت: إن أحببت أن تعاذ من شرى فأبغض الدرهم.

وقال بعضهم: رأيت الدنيا في النوم عجوزاً مشوهة الخلقة حدباء.

مثال آخر: واعلم أن أحوالك ثلاث:

حال لم تكن فيها شيئاً، وهي قبل أن توجد.

وحال أخرى، وهى من ساعة موتك إلى ما لا نهاية له في البقاء السرمدي، فإن لنفسك وجوداً بعد خروجها من بدنك، إما في الجنة أو النار، وهو الخلود الدائم.

وبين هاتين الحالتين حالة متوسطة، وهى أيام حياتك في الدنيا، فانظر إلى مقدار


(١) ليس لها أسنان، وفى نسخه: صماء، وهى الداهية.
(٢) الشمط في الشعر: اختلافه بلونين من سواد وبياض، أو بياض شعر الرأس يخالط سواده.

<<  <   >  >>