للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذا من يشترى داراً بثياب، أو عبداً بخف، أو دقيقاً بحمار، فهذه الأشياء لا تناسب بينهما، فخلق الله تعالى الدراهم والدنانير، حاكمين ومتوسطين بين سائر الأموال، حتى تقدر بهما، فيقال: هذا الجمل يساوى مائة، وهذا القدر من الزعفران يساوى مائة، فحصل التساوي بينهما حينئذ، وإنما أمكن التعديل بينهما بالنقدين، إذ لا غرض في أعيانهما، فإنه لو كان في أعيانهما فرض لم ينتظم الأمر، فخلقهما الله لتداولها الأيدي، ويكون حاكمين بين الأموال بالعدل، وجعلهما عزيزين في أنفسهما، ونسبتهما إلى سائر الأموال نسبة واحدة، فمن ملكهما، فكأنه ملك كل شئ.

إذا عرفت حكمتهما، فكل من عمل فيهما عملاً يخالف المقصود منهما، ولا يليق بحكمتهما، فقد كفر نعمة الله فيهما، فمن كنزهما فقد أبطلهما وأبطل الحكمة فيهما، ومنع الأيدى من تداولهما. ولما كان كثير من الخلق عاجزين عن قراءة الأسطر الإلهية المكتوبة على صفحات الموجودات بخط إلهي لا يدرك بعين البصر، بل بعين البصيرة، أخبرهم الله تعالى بكلام سمعوه بواسطة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم الله عليه وآله وسلم، فقال: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: ٣٤].

وكل من اتخذ الدراهم والدنانير آنية، فقد كفر نعمة الله فيهما، لأنه أسوأ حالاً ممن كنزهما.

ومثال ذلك من استعمل حاكم البلد في الحياكة والكنس والأعمال التي يقوم بها أخس الناس، وذلك أن الحديد والنحاس والخزف وغيرها يقوم مقام الذهب والفضة من كونهما قيم الأشياء، فمن لم تنكشف له هذه الحكمة بالرحمة الإلهية قيل له: "من شرب في إناء ذهب أوفضة، فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم" وكذلك كل من عامل بالربا في الدراهم والدنانير، فقد أخرجهما عن مقصودهما، فهذا مثال لحكمة خفية من حكم النقدين.

فينبغي أن تعتبر شكر النعمة وكفرها بهذا المثال في غيره من جميع أمورك، في حركتك، وسكونك، ونطقك، وسكوتك في كل فصل صادر منك، إما شكراً أو

<<  <   >  >>