للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في أهل الحرص إذا طلب فضول العيش.

وترك التكسب ليس من التوكل في شئ، إنما هو من فعل البطالين الذين آثروا الراحة، وتعللوا بالتوكل.

قال عمر رضى الله عنه: المتوكل الذي يلقى حبه في الأرض ويتوكل على الله.

الفن الثاني: في التعرض للأسباب بالادخار، ومن وجد قوتاً حلالاً يشغله كسب مثله عن جمع همه، فادخاره إياه لا يخرجه عن التوكل، خصوصاً إذا كان له عائلة.

وفى "الصحيحين" من حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يبيع نخل بنى النضير، ويحبس لأهله قوت سنتهم.

فإن قيل: فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلالاً أن يدخر، فالجواب: أن الفقراء كانوا عنده كالضيف، فما كان ينبغي أن يدخر فيجوعون، بل الجواب: أن حال بلال وأمثاله من أهل الصفة كان مقتضاها عدم الادخار، فإن خالفوا كان التوبيخ على الكذب في دعوى الحال لا على الادخار الحلال.

الفن الثالث: مباشرة الأسباب الدافعة للضرر. ليس من شرط التوكل ترك الأسباب الدافعة للضرر، فلا يجوز النوم في الأرض المسبعة (١)، أو مجرى السيل، أو تحت الجدار الخراب، فكل ذلك منهي عنه.

وكذلك لا ينقض التوكل لبس الدرع، وإغلاق الباب، وشد البعير بالعقال. وقال الله تعالى {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: ١٠٢].

وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يارسول الله أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟ قال: "اعقلها وتوكل".

ويتوكل في ذلك كله على المسبب لا على السبب، ويكون راضيا بكل ما يقضى الله عليه ومتى عرض له إذا سرق متاعه أنه لو احترز لم يسرق، أو أخذ يشكو ما جرى عليه، فقد بان بعده عن التوكل.

وليعلم أن القدر له كالطبيب، فإن قدم إليه الطعام فرح، وقال: لولا أنه علم أن


(١) أرض مسبعة: أي ذات سباع.

<<  <   >  >>