للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغذاء ينفعني ما قدمه، وإن منعه فرح، وقال: لولا أنه علم أن الغذاء يؤذيني لما منعني.

واعلم: أن كل من لا يعتقد في لطف الله تعالى ما يعتقده المريض في الطبيب الحاذق الشفيق، لم يصح توكله، فإن سرق متاعه رضى بالقضاء، وأحل الآخذ، شفقة على المسلمين. فقد شكا بعض الناس إلى بعض العلماء أنه قطع عليه الطريق، وأخذ ماله،

فقال: إن لم يكن غمك كيف صار في المسلمين من يفعل هذا أكثر من غمك بمالك، فما نصحت المسلمين.

الفن الرابع: السعي في إزالة الضرر، كمداواة المريض ونحو ذلك.

اعلم: أن الأسباب المزيلة للضرر تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

إلى مقطوع به، كالماء المزيل لضرر العطش، والخبز المزيل لضرر الجوع، فهذا القسم ليس تركه من التوكل في شئ.

القسم الثاني: أن يكون مظنوناً، كالفصد، والحجامة، وشرب المسهل، ونحو ذلك. فهذا لا يناقض التوكل، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تداوى وأمر بالتداوى.

وقد تداوى خلق كثير من المسلمين، وامتنع عنه أقوام توكلاً، كما روى عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه أنه قيل له: ألا ندعو لك طبيباً؟ فقال: رآني الطبيب. قيل: فما قال لك؟ قال: إنى فعال لما أريد.

قال المصنف رحمه الله: والذي ننصره أن التداوي أفضل، وتحمل حال أبى بكر رضى الله عنه أنه قد تداوى ثم أمسك بعد انتفاعه بالدواء، أو يكون قد علم قرب أجله بأمارات.

واعلم: أن الأدوية أسباب مسخرة بإذن الله تعالى.

القسم الثالث: أن يكون السبب موهوماً، كالكى، فيخرج عن التوكل، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصف المتوكلين بأنه لا يكتوون.

وقد حمل بعض العلماء الكي المذكور في قوله: "لا يكتوون" على ما كانوا يفعلونه في الجاهلية، فإنهم كانوا يكتوون ويسترقون في زمن العافية لئلا يمرضوا، فإن

<<  <   >  >>