للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: ما ذكرنا من أن "كاد" إذا استعمل بغير "ان" فهو بمعنى حصل.

وثانيهما: أن الكلامَ متى اشتمل على قيدٍ زائدٍ على أصل المعنى ثم دخل على ذلك الكلام النفي فإنه يتوجه إلى ذلك القيد لا إلى أصل الكلام.

بيانه أنك تقول: جاء زيدٌ راكبًا فيكون كلامًا مشتملًا على ما وراء المعنى على قيد، وأما أصل المعنى فجاء زيد، وأما القيد فكونه راكبًا حالة المجيء، فإذا قلت: ما جاء زيد راكبًا فالنفي ها هنا يتوجه إلى ركوب زيد لا إلى أصل مجيئه، حتى إن قولك: ما جاء زيد راكبًا إثبات لمجيئه، إذا ثبت هذا فوجه المسألة أن قوله:

… ... … لَمْ يَكَدْ … رَسِيْسُ الهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ

معناه: أنه لم يَحصل رسيسُ الهَوَى بارحًا، ومحصوله حصل غير بارحٍ، كما أن قولَكَ لم يَجِئْ (١) زيدٌ راكبًا معناه جاءَ غيرُ راكبٍ وقولنا: حصل غير بارحٍ يقتضي أن لا يكون لذلك حاصلًا، ثم يحصل، فهذا معنى قول ابن شبرمة أراه قد بَرَحَ، وعلى ذلك قولهم: فَعَلَهُ وما كاد يفعل، معناه: فعله بعدَ أن حصل غير فاعلٍ له، وعليه قوله تَعالى: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} معناه: حَصَلَ غير راءٍ لها بعد أن [كان] (٢) رائيًا لها وقوله: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} المعنى: ذَبَحُوْهَا بعد أن حَصَلُوا غيرَ فاعلين للذَّبح. فهذا تَحقيق الكَلامِ في هذا الفصل فليَكُنْ تَعْرِيْجُكَ عَلَيْهِ.

وأمَّا قولهم: أصابت بديهيته وأخطأت رؤيته، فلا يُلتفت إليه فإن ذا الرُّمة


(١) في (ب): "لم يك".
(٢) في الأصل: "كاد".

<<  <  ج: ص:  >  >>