للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ جارُ اللهِ: وقد يكُون الراجعُ معلومًا فَيُستَغنى عن ذكره، وذلك مثلَ قولِهِم: (البرُّ الكِرّ (١) بستين)، و (السَّمنُ مَنوَانِ بدرهم). أي منه (٢).

قالَ المُشَرّحُ: قولهم: البُرُّ مبتدأ، والكِرُّ مبتدأ ثانٍ وبستين خَبَرُ المبتدأ الثّاني، ثُمَّ هذا المبتدأ وخَبَرُه خبرُ المبتدأ الأوَّلِ، وليسَ فيه ضميرٌ يرجعُ إلى المبتدأ الأوَّل، إنَّما هو محذوفٌ تقديرُه الكرَّ منه، وكذلك في قولِهِم: السَّمنُ مَنَوانِ بدرهمٍ تقديره منوانِ منه.

قال جارُ اللهِ: وقوله: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (٣).

قالَ المُشَرّحُ: قوله: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ} في محلِّ الرَّفعِ بأنَّهما خبرُ المبتدَأ، والرَّاجِعُ فيها إلى المبتدأ محذوفٌ، قالوا تَقْدِيرُهُ إنَّ ذلك منه لَمِن عزمِ الأمورِ وفيه نَظَرٌ (٤)، لأنَّهُ وإن صحَّ بأنْ يُقالَ: الصبرُ من عزمِ الأمورِ، والجودُ من مكارمِ الأخلاقِ، فلا يَصِحُّ أن يُقالَ الصبرُ منه من عزمِ الأمورِ، والجودُ منه من مكارِمِ الأخلاقِ، وهذا لأنّه إنما يَصحُّ أن يُقَالَ هذَا الفِعلُ من مكارِمِ الأَخلاقِ حيثُ يَصِحُّ أن يُقالَ بأنَّك لو فَعَلْتَهُ لاستَحْسَنَهُ النَّاسُ، وذلك فيما نَحْن فيه لا يَصِحُّ، إذ لا يَصِحُّ أن يُقال لو أَتيتَ بصبرِ فُلانٍ لاستَحْسَنَه النَّاسُ، لأنَّ ما جُعِلَ من الفعلِ مرَّةً لا يَصِحُّ فِعلُه ثَانِيًا (٥).


= يدل على أنَّ في الدار ضميرًا فأحكام منها: جواز الإِبدال منه وتأكيده ونصب الحال منه، أمّا إبداله ففي نحو قوله عزّ وجل: [الأعراف: آية: ٨] {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} فالوزن مبتدأ، ويومئذٍ متعلق بمحذوف لأنه خبر والحق رفع على البدل من الضمير.
(١) (الكِرُّ) هو: مكيال أهل العراق، وهو ستون قفيزًا، والقفيز ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف. تهذيب اللُّغة: ٩/ ٤٤٣. وانظر الزّاهر للأزهري: ٢١٠، والمغرب للمطرزي: ٤٢٥.
(٢) في (ب).
(٣) سورة الشورى: آية: ٤٣.
(٤) انظر البيان في شرح اللّمع للكوفي: ١٤.
(٥) أورد العلوي في شرحه: ١/ ٦٢: ثم عقب عليه بقوله: وهذا فاسد لأمرين: أمّا أولًا فلأنا على قطع من تتمة الخبر بقوله: إن ذلك من عزم الأمور وأمّا ثانيًا: فلأن تقدير الضمير أبلغ، =

<<  <  ج: ص:  >  >>