للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن سَأَلتَ: المرادُ بقولِهِ إِنَّ ذلك إنّ مثلَ ذلك يعني إنَّ مثلَ صَبرِهِ، وهو نفسُ الصَّبر من عزمِ الأمورِ؟ أجبتُ: لو حُمِل على ذلِكَ لَوَقَعَ النَّظرُ فيه من وجهٍ آخرَ، وذلك أنَّ الصبرَ في نفسِ الأمورِ من عزمِ الأمورِ، لا على تقديرِ صبرٍ آخرَ، والكلامُ في هذه المسألةِ مبنيٌّ على معرفةِ الكنَايَةِ، وهي أن تُريدَ دعوى الشيءِ وإثباتَهُ بدليلٍ فَتَدعُ المُدّعى، وحرفَ التَّعليل وتقيمُ الدّليل مقامَ المُدَّعى، مثاله: تريدُ أن تقولَ: فلانٌ طويلٌ، لأنه طَويلُ نجادِ السَّيفِ، فتدعُ المُدَّعى وهو طويلُ القامةِ وتدعُ أيضًا حرفَ التعليلِ وهو: لأنَّه وتقيمُ طويلَ نِجَادِ السَّيفِ مقامَه ولذلك تقولُ وَطِيئهَا، لأنَّه التَقَى خِتَانَاهُما فتدَعُ الشَّيئين، وتقولُ: التَقَى خِتاناهُما. إذا ثَبَتَ هذا رَقَّيتُكَ إلى الغَرضِ المَطلُوبِ فقلتُ: إن ذلك لمن عَزم الأمور فالحقيقة قوله فقد أحسنَ فيكون الراجعُ المحذوفُ ها هنا شبيهًا بالراجعِ المحذوفِ في زيدٌ في الدارِ.

قالَ جارُ الله: فَصلٌ؛ ويجوزُ تقديمُ الخبرِ على المبتدأِ كقولك تَميميٌّ أَنا، ومشنؤٌ من يَشنؤُك، وكقوله تعالى (١): {سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} و (٢): {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ} المعنى سواءٌ عليهم الإِنذارُ وعدمُه.

قالَ المشرحُ: أنا مبتدأ، وتميميُّ خبرُه، فإنْ سألتَ: لِمَ لا يجوزُ أن يكونَ تميميٌّ مبتدأً وأنا خَبَره لأجبتُ: لأنَّ المبتدأ هو المحكُومُ عليهِ، والخبرَ هو المحكومُ بهِ، وها هُنا حُكِمَ على أنا تَمِيميٌّ بأَنا، والذي به يتبينُ الصريحُ من الرُّغوَةِ (٣) أنَّك لو تَرجمت الكلامَ بغيرِ العربيَّة وجدتَ الرابطةَ مُلتحقةً بالخبرِ دونَ المبتدأِ، وها هنا لو تَرجمتَ لوجدتَ الرابطةَ ملتحقةً بتميميّ، ولا بأنا. ولَقد سأَلني بعضُ إخواني من الأفاضل عن قول الأمير أبي فراس (٤):


= وأخصر، وأقعد في المعنى وأدخل في الفصاحة فلهذا كان تقديره أولى.
(١) سورة الجاثية: آية: ٢١.
(٢) سورة البقرة: آية: ٦.
(٣) في (أ) الدعوة.
(٤) أبو فراس (٣٢٠ - ٣٥٧) هو الحارث بن سعيد بن حمدان التّغلبي الشاعر الفارس المجاهد ابن =

<<  <  ج: ص:  >  >>