للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وألمُّ شَعثَه بقدرِ ما يمكنُ، ثُمَّ أمزّقُهُ بالاعتراضِ تمزيقًا، فأقولُ: اتفقوا على أنَّ الصّفةَ عِندَ اعتمادِها على الأشياءِ الخمسةِ تعملُ عملَ الفعلِ، والاستفهامُ أحدُ الأشياءِ الخمسةِ وقد اعتَمدت عليه ها هنا (١) فتعملُ (٢) عملَه، فإن سألتَ: لم لا يجوزُ أن يكونَ الزَّيدان ها هنا مبتدأُ، وقائمٌ خَبره (٣)؟ أجبتُ: لأنَّ المبتدأ مُتَعَدّدٌ فوجبَ أن يكونَ الخبرُ أيضًا مُتَعَدّدًا كقولك: الزّيدان قائمان، وقائمان الزّيدان؛ ولا يجوزُ الزيدان قائمٌ، ولا قائمٌ الزيدان. فإن سألتَ: فالخبرُ يجيءُ غيرَ متعدّدٍ مع أنَّ المبتدأ متعدّدٌ وأنشد النحويون:

لَو أنَّ قَومي حينَ أدعوهم حَمَلْ … على (٤) الجِبَالِ الصُّمِّ لارفَضَّ الجَبَلْ

ألا تَرى أنَّه قال: قَومي، فأفرد ولم يَقُل: حَمَلُوا، مع أنَّ هذا غيرُ محمولٍ على الضرورةِ، لأنَّه لا يجوزُ في السَّعةِ أيضًا، أجابوا: أنَّ القومَ وإن كانَ مجموعَ المعنى فهو مُفردُ اللَّفظِ، ومن ثَمَّ جازَ تحقيرُه، على بابِه، لأنَّ قومًا ليس جمعَ قائمٍ، وإنّما اسمُ جمعٍ، وكذلك رَكْبٌ ورَجْلٌ، ولك أن تَقُولَ: تقديرُ الخبرِ ها هنا يَستدعي إمكان تقديرِه سابقًا ضرورَة أنَّ فِعلَ الشيءِ موقوفٌ على إمكانِ فعلِه، وها هنا لا يمكنُ تقديرُ الخبرِ لتمامِ معنى الكَلَامِ بدونه، ألا تَرى أنَّه لا فَرقَ من حيثُ تمامُ الكلامِ بينَ قولِكَ أقائمٌ الزيدان، وأَيقومُ الزّيدان، لأنَّ (٥) الصفةَ في الأصلِ معناها قريبٌ من معنى الفِعلِ المضارعِ، لا يفوتُها شيءٌ سوى أنَّ الفِعلَ المضارعَ يتعرضُ للحدوثِ والتَّجَدُّدِ والصِّفةُ لا تَتَعَرَّضُ له، فمتَى وَرَدَ عليها الاستفهامُ صارت معرَّضَةً


(١) في (أ) فها هنا.
(٢) في (أ) تعمل.
(٣) هذا رأي الكوفيين: انظر شرح التسهيل لأبي حيان: ٢/ ٤٧.
(٤) (على) في (أ).
(٥) في (ب) أنّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>