للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُحْتَمَلُ فيما زَعَمَ الشَّيخُ أن لا يَجْعَلَ مصبوحًا خَبَرَ لا النافية للجنسِ، لكنَّه يَجْعَلُهُ صفةً محمولةً على محلِّ (لا) مع المَنفيِّ، وهذا شيءٌ فاسدٌ، وقبل أن أُبيَّنَ فَسَادَهُ أذكرُ الخَادِعَة للشيخِ ثم أعترضُ عليها فأقولُ (١): إنَّهم يَقولون بأنَّ لا النافيةَ للجنسِ نقيضَةُ إنَّ، ومن شأنِ النَّقيضَين أن يَسْتَوِيا في جميعِ الأحكامِ إلَّا في المعنى فإنَّهما فيه يَتَنَاقَضَانِ (٢)، ومن ثَمَّ لما كانت إنْ للاثبات ولا للنّفي تَساويًا في الأحكامِ فكان لِكُلِّ واحدٍ منهما منصوبٌ ومرفوعٌ، وكما أنَّ هناك إثباتًا وحرفًا يفيدُ تأكيدًا للإِثباتِ (٣)، فها هنا نفيٌ وحرفٌ يفيدُ تأكيدًا (٤) للنَّفِي، وهو ما تَضَمَّنَ لا من معنى الاستفهاميّةِ، ثم كما أنّ إنَّ مَعَ الاسمِ تكونُ بمنزلةِ المُبتدأ، فكذلك لا مع الإِسمِ ضرورةً للتَّنَاقُضِ بينهما، ولذلك سُوّي في جَمْعِ سلامةِ المؤنّثِ بينَ حالَتَي الجَرّ والنّصبَ كما سُوّي في الحالَتَيْن بينَ جمعِ سلامةِ المُذَكَّرِ حَمْلًا للنَّقِيضِ على النَّقِيضِ، فيكونُ مصبوحٌ صفةٌ للمبتدأ المُسْتَفَادِ من المَنفِيّ وحرفِ النَّفي، والخبرُ محذوفٌ فهذه هي الجِهَةِ الخَادعَة له.


(١) نقل الأندلسي نصّ المؤلف في شرحه: ١/ ١٥٦، وعقب عليه بقوله: فهم هذا الرجل لأقوال النحويين عجيب، فمتى قال الشيخ، أو أحد من النحويين أن مصبوحًا صفة لنفي الكريم، أو عدمه؟! بل الشيخ قال: صفة محمولة على محلّ لا مع المنفي ومحلّ الشيء غير الشيء، فمعنى قول النحويين أن هذا اللّفظ محمول على الموضع أو على المحلّ أن مجموع الحرف والاسم قد حلّا في محلّ هو للمبتدأ المرفوع لفظًا فتحمل الصفة، أو العطف، أو غير ذلك على إعراب ذلك، الاسم الذي هذا المجموع في محله .... وقوله: وإلّا فما الفاعل في هذه الجملة وهو أيضًا من نحوه الغريب المبتدع، وإلّا فمن سلم له أن هنا فعلًا حتى يحتاج إلى فاعل، وكأنه أراد أن يقول وإلا فما المرفوع في هذه الجملة، نظرًا إلى أن الجملة لا تتم إلّا بمرفوع، لكن جوابه أنّ المرفوع مقدّر، أي الصلاة في هذه الحالة أو الوقت مشروعة أو معتبرة أو غير ذلك، ولا يشترط أن يكون المرفوع ملفوظًا به في كلّ جملة، ألا ترى أن قولهم إنَّ مالًا لا مرفوع فيه لفظًا مع أنها جملة مفيدة فكذلك ها هنا.
فظهر أنّ الشيخ ما انخدع، بل الذي افتضح ووقع في الاعتراض الذي اخترع.
(٢) في (أ) مناقضان.
(٣) في (ب) الإِثبات.
(٤) في (ب) تأكيد النفي.

<<  <  ج: ص:  >  >>