للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القُرفُصاء: جِلسَةُ المُحتَبي (١)، فإن سألتَ: ما الدليلُ على أنَّ هذه عُنِيَ بها هذه الثلاثةُ، وهي: القَهقَرى، والصَّماء، والقُرفُصاء، وهي أسماءٌ ليست بمصادِرَ؟ أجبتُ: لأنَّه لا يجوزُ إعمالها عَمَلَ (٢) الفعلِ، ولو كانت مصادِرَ لجازَ ذلك، فالمصدَرُ غيرُ واسمُ المصدَرِ غيرُ، واسمُ الجمعِ غيرُ.

قالَ جارُ اللَّه: "والمصادِرُ المنصوبةُ بأفعالٍ مضمرةٍ عَلى ثلاثةِ أنواعٍ، ما يُستعملُ إظهارُ فعلِهِ وإضمارُه، وما لا يُستَعمَلُ إظهارُ فعلِهِ، وما لا فعلَ له أصلًا، وثلاثَتُها تكون دعاءً وغيرَ دعاءٍ. فالنوعُ الأوَّلُ كقولك للقادِمِ من سفرِهِ خيرَ مقدمٍ، ولمن يُقَرمِطُ (٣) في عِدَاتِهِ مواعيدَ عرقوبٍ، وللغَضبانِ: غَضَبَ الخيلِ على اللُّجُم".

قالَ المشرّحُ: كما يجوزُ النصبُ في خيرَ مقدمٍ، يجوزُ فيه الرّفعُ أيضًا، والمعنى: مَقدَمُك خيرُ مقدمٍ. ذكره شمسُ المَشرِقِ الكَاثِيّ (٤). كما يجوزُ خيرُ مَقدمٍ يجوزُ أيضًا أن يُقالَ: قدمتَ خيرَ مقدمٍ، كما يجوزُ أن يقالَ: مواعيدُ عرقوبٍ جازَ أن يقالَ: وعدتَ مواعيدَ عرقوبٍ بدليلِ البيتِ (٥)، وكذا


(١) الصحاح: ص ١٠٥١، قال: القرفصة أن تجمع الإِنسان وتشد رجليه ويديه. قال الشّاعر:
ظلّت عليه عقاب الموت ساقطة … قد قرفصت روحه تلك المخاليب
وانظر غريب الحديث لأبي عبيد: ١/ ٢١٠، ٢: /١٠٨، ٣/ ٥٧. والبارع في اللّغة لأبي علي القالي: ص ٥٥٥.
في عامل النّصب في القهقرى، والقرفصاء وما أشبهها ثلاثة أقوال. انظرها مفصّلة في توجيه اللّمع: ورقة ٤٥، ٤٦.
(٢) في (أ) على.
(٣) القرمطة: في اللّسان: (قرمط)، قرمط في خطوه إذا قارب ما بين قدميه. والقرمطة في الخط دقة الكتابة وتداني الحروف.
(٤) شمس المشرق الكاثي: محمود بن عزيز العارضي أبو القاسم الخوارزمي، قال ياقوت: أفضل الناس في وقته في علم اللّغة والأدب. كان الزمخشري يدعوه الجاحظ الثاني لكثرة حفظه وفصاحة لفظه. قتل نفسه سنة ٥٢١ هـ بيده، ووجد بخطه رقعة فيها: هذا ما عملت أيدينا فلا يؤاخذ به غيرنا. ترجمته في معجم الأدباء: ١٩/ ١٢٦، وبغية الوعاة: ٢/ ١٧٩.
(٥) يقصد بيت الأشجعي الآتي ذكره بعد قليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>