للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَير البريدِ، وإلَّا ضَربَ الناس، وإلّا شُربَ الإِبلِ".

قالَ المشرّحُ: هذه المصادِر (١) لا يحسنُ إظهارُ فعلها، لأنَّه قد وُجد المانعُ من ذلك، وذلك لأنَّه غيرُ ممكنٍ، إذ لا يمكنُ ها هنا إلا إظهارُ المصدَرِ، وذلك أن تقولَ: ما أنت إلا ضربُ الناسِ، ثم إظهارُ المصدَرِ ها هنا أيضًا لا يَحسُنُ، لأنَّه إنَّما يَحسُنُ إظهارُه إذا لم تُعمله. ألا تَرى أنَّ المصدَرَ ها هنا تَنَزَّل منزلةَ الجَواهِرِ والأعيان، كما لو قلتَ: أنت لَحمٌ، وما أنت إلّا لَحمٌ، والمعنى أنّك تَجَشَّمتَ من الضَّربِ، كما أنَّ المعنى ثمَّ إنَّك تَجَشَمّتَ من اللّحمِ، وكذلك إنما أنتَ سيرًا سيَرًا، لأنَّه بمنزلةِ ما أنتَ إلا سَيرًا سَيرًا، فلَزم منه نحو ما لَزِمَ من قولِكَ: ما أنت إلا ضربٌ ضربَ الناسِ، والذي يدل على أنَّ "إنما" بمنزلةِ النَّفي والاستثناءِ ما أنشدَهُ الإِمامُ (٢) أبو عليٍّ الفارسي -رحمه الله- (٣):

أنا الذّائِدُ الحامِي الذِّمارَ وإنَّما … يُدافِعُ عن أَحسابِهِم أَنا أو مِثلي


(١) من هنا … إلى قوله: … الجواهر والأعيان نقله الأندلسي في شرحه: ١/ ١٦٨.
(٢) في (ب) الشيخ.
(٣) أورد الإمام أبو علي الفارسيّ -رحمه الله- هذا البيت في كثير من مؤلفاته فأورده في كتابه: (الحجّة في القراءات) في عدة مواضع منها: ١/ ٢٦، … وأورده في كتاب الشّعر: ورقة ٥٤ كما أورده في المسائل الشّيرازيّات: ورقة: ٦٩، والمسائل الحلبيات: ورقة ١٧٥، إلّا أنّ النّص -فيما يبدو- منقول عن كتاب المسائل الشيرازيات: قال: يقول ناس من النحويين في نحو قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} انّ المعنى ما حرّم ربي إلَّا الفواحش، وأصبت مما يدل على قولهم هذا قول الفرزدق ..
والبيت للفرزدق من قصيدة طويلة في ديوانه: ٢/ ٧١١ - ٧١٤ في هجاء جرير انظر النقائض ١/ ١٢٦ - ١٢٨ ورواية الدّيوان: (أنا الضّامن الراعي عليهم) وورد البيت في المحتسب: ٢/ ١٩٥، دلائل الإعجاز: ٢١٤، ٢٢٣، وشرح شواهد التلخيص: ١/ ٧٩، وشرح ابن يعيش: ٢/ ٩٥، ٨/ ٥٦، والجنى الداني: ٣٩٧، والمغني: ٣٤٢، وشرح شواهده للسّيوطي: ٣٤٥، وشرح أبياته للبغدادي: ٥/ ٢٤٨ - ٢٥٦، والعيني: ١/ ٢٧٧.
والبيت في البحر المحيط للزركشي (نسخة غير مرقمة) وفيه فوائد علمية كثيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>