للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا لأنَّه لا يجوزُ إسنادُ فعلِ الغائِبِ إلى المضمرِ إلَّا في مقامِ الاستثناءِ المسبوقِ بالنَّفي.

قالَ جارُ الله: "ومنه قوله تعالى (١): {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} ".

قالَ المشرّحُ: المنُّ (٢): إطلاقٌ بغيرِ فِداءٍ، وإنما لا يستعملُ إظهارُه ها هنا، لأنَّ "إمَّا" لا تكادُ تدخُلُ إلَّا على اسمٍ كقولك: زيدٌ إمَّا قاعدٌ وإمَّا قائمٌ، فإذا قُلتَ: زيدٌ إما يَقعُدُ، وإمَّا يَقُومُ فهو وإن جاز إلا أنَّه دونَ الأوَّلِ في الحُسنِ، ولو قلتَ زيدٌ إمَّا يَقعُدُ وإمَّا يَقُومُ لكانَ مُستَكرهًا، وهذا لأنَّ الأوَّلَ: اسمٌ صورةً ومعنًى، والثاني: فعلٌ صورةً ومعنًى، والثالث (٣): صورة ومعنى.

قالَ جارُ الله: "ومنه مررت به فإذا له صوتٌ صوتَ حمارٍ، وإذا له صُراخٌ صراخَ الثَّكلى وإذا له دقٌ دقَّك بالمنحازِ حبَّ القِلقِلِ".

قال المشرّحُ: (٤) ها هنا أيضًا لا يُستعمل إظهارُه، لأنَّ الاسمَ الأولّ قد نابَ منابَ الفعلِ وسدَّ مَسَدَّه، وفي ألفاظِ الفِقه (٥): السَّفَر الذي فيه تُقصرُ الصّلاةُ مَسيرةُ ثلاثةِ أيَّامٍ سيرَ الإِبلِ، ومشيَ الأقدامِ والمعنى السّفرُ الذي تقصرُ فيه الصّلاة سيرُ مسيرةِ ثلاثةِ أيَّام. فإن سألَتَ: الاسمُ الأولُ ليس مصدرًا، إنما هو اسمٌ فكيفَ أُعملَ عَمَلَ الفعلِ؟ أجبتُ: حُكي أنَّ العرب قد وَضَعَت الأسماءَ موضعَ المصادرِ فيقولون: عجبتُ من طعامِك طعامًا، يريدون من إطعامِك، وعجبتُ من دُهنِك لِحيَتك، والمعنى من دَهنك بالفتح وعليه (٦):


(١) سورة محمّد -صلى الله عليه وسلم-: آية: ٤.
(٢) هذه الفقرة كلها في المحصّل: ١/ ١٦٨.
(٣) ساقط من (ب) موجود في المحصّل أيضًا. ولا معنى لوجوده.
(٤) كلمة في شرح الأندلسي: ١/ ١٦٩.
(٥) للمؤلف -الخوارزمي- كتاب في شرح ألفاظ الفقهاء. انظر مؤلفاته.
(٦) البيت للقطامي عمير بن شييم. تقدم التعريف به، وصدره:
أكفرا بعد ردّ الموت عنّي =

<<  <  ج: ص:  >  >>