للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ جارُ اللَّهِ: "وأقائِمًا وقد قَعَدَ النَّاسُ، وأَقاعدًا وقد سارَ الرَّكب".

قالَ المشرّحُ: قائمًا في هذا المثالِ مَصدرٌ، وكذلك قاعِدًا، وهذا لأنَّ المُنَكَّرَ ها هنا نَفسُ القِيامِ ونفسُ القعودِ، لا القائمُ والقاعدُ، كأنَّه قالَ: أقيامًا وقد قَعَدَ الناسُ، وأقعودًا وَقد سارَ الركبُ، وفي شِعر الرّضي الموسوي (١):

أَرِضىً وذوبات الخُطوبِ تنوشُني … والعَزمُ ماضٍ والرِّماحُ سَوالِفُ (٢)

فإن سألتَ: فإذا كانَ المُنَكَّرُ هو المصدَرُ فكيفَ لم تكن الإِنكاريّةُ؟ أجبتُ: لأنَّ المصدرَ يُدلُّ على الحُدُوثِ والتَجَدُّدِ، بخلافِ القيام والقعودِ إذا أُريدَ به المَصدَرُ، والمعنى إبقاء للقيام وقد قَعد النّاس، وإبقاءً للقعودِ وقد سارَ الركبُ، وكأنّه يقولُ: إبقاءُ القيامِ والقعودِ في هاتين الحالتين شيءٌ شنيعُ، فكيف إحداثُها؟!

قالَ جارُ اللَّه: "فصلٌ؛ ومن إضمارِ المصدَرِ قولُك: عبدُ اللَّه أظنُّه منظلقٌ، تَجعلُ الهاءَ ضميرَ الظَّنَّ، كأنّك قلتَ: عبد اللَّه أظنُّ ظَنّي منطلقٌ".

قالَ المشرّحُ: الضَّميرُ في قولِكَ: أظنُّه منطلقًا؟ يَنصرفُ إلى الظَنّ لا إلى عبدِ اللَّه لوجهين (٣)، أحدُهما: أنّه لو انصرفَ إلى عبدِ اللَّهِ لكانَ فعلُ


(١) هو المشهور بـ (الشريف الرضي ٣٥٩ - ٤٠٦).
وهو محمد بن الحسين بن موسى الرضي العلوي الحسيني الموسوي أشعر الطالبين مولده ووفاته ببغداد، انتهت إليه نقابة الأشراف في حياة والده. له ديوان شعر ومؤلفات أخرى. ترجمته في يتيمة الدهر: ٢/ ٢٩٧، وتاريخ بغداد ٢/ ٢٤٦.
(٢) لم أعثر على هذا البيت في ديوان شعره، ولا في ديوان شعر أخيه المرتضى وهو في ثلاثة مجلّدات.
(٣) قال العلوي في شرحه: ١/ ٩٠: واعلم أنّ الإِضمار يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون جاريًا في الإِضمار على قياس المضمرات، لتقدم ما يرشد إليه، لأنَّ في الفعل دلالة على مصدره، وهذا هو الذي اختاره الخوارزمي.
وثانيهما: أن يكون الإِضمار فيه واردًا على خلاف القياس، لأنّ المصدر لم يتقدم له ذكر كما يجري في المضمرات القياسيّة، وهذا هو الذي اختاره ابن الحاجب في شرحه. والحقّ عندنا هو الذّي حقّقه الخوارزمي، وهو الذي أراده الزمخشريّ …

<<  <  ج: ص:  >  >>