للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنتَ -حَرَسَكَ اللَّهُ- قائِلُ الشّعر تسألني عن ممدوحك فقال لي مبتسمًا: لست تعرفه؟ قلت لا والله، قال؛ ولا أنا -شهد الله- أعرفه، لأنني ما تعرضت لمدح أحد قَطُّ ولا رغبت في جَداه ولا أعرف أحدًا أفضل عليَّ إلَّا مرَّةً واحدةً … ثم قال: وأنا أقولُ الشِّعرَ والنَّثرَ تطرُّبًا لا تَكَسُّبًا، وأستعير اسمًا لا أعرفه.

ومن مدحه الذي يستعير فيه أسماء لممدوحيه دون أن يعرفهم قوله (١):

أَفديكَ ذا مَنظرٍ بالبِشرِ ملتَحِفٍ … عن اليَمين وللإِقبال مُبتَسِم

يَرى الجَلالَ وَشَت في لوحِ جَبهَتِهِ … "والنّاسُ من خولِي والدَّهرُ من خَدَمِي"

ولَو أناف على هام السُّها وَطَنِي … لَمَا لَوَت نَحوه أجيادَها هِمَمِي

عَلَى النَّدى وقفت أَيَّامُهُ وَعَلَى … نَشر المحامِدِ منه أَلسُن الأُمَمِ

ما جئتُ أخدِمُهُ إلا وقد سَحَقَتْ … يدًا تَلطُّفِهِ عِطرًا من الشيم

زَفَّ النَّدى نحوه بكرًا مُخَدَّرَةً … لولاه زُفَّت إلى كَفْنٍ من العَدَمِ

يُريه شِعري نجومَ للَّيلِ طالِعَةً … والنَّيرَين مَعًا من مَشْرِقِ الكَلِم

لا زالَ مثلَ هِلالِ العِيدِ حَضَرتُهُ … في الحُسنِ واليُمنِ والإِقبالِ والشَّمَمِ

وعاشَ للمُلكِ يَحمِيهِ ويَنصُرُهُ … فالملكُ من دُونِهِ لحمٌ على وَضَمِ

ودامَ كاليمِّ للعافين مُلتَطِمًا … بَنَانُهُ وهو مرشُوفٌ بِكلِّ فَمِ

ومن جَيّدِ شِعرِهِ في المَدح قوله في أبناءِ شيخِ الإسلامِ الرُّستَانِيّ (٢):

فديتُ إمامًا صيغَ من عِزَّةِ النَّفس … أنامِلُهُ والسُّحبُ نوعان من جِنسِ

أشدُّ ارتياحًا نحو طَلعَةِ مُعتَفٍ … من المُفلِس الخاوِي اليَدَين إلى الفَلسِ

وأفقهُ في تَدريسِهِ من مُحَمَّدٍ … وأجود منَ كعب وأخطب من قُسِّ

ثمَّ قالَ:

له الصَّفو من وُدِّي وإخوتِهِ الأُلى … غَدوا من سهامِ الزَّيغِ للدّين كالتُّرسِ

لفتيان صدق ما اقتنوا طول عمرهم … سوى البَحثِ والإِفتاءِ والوَعظِ والدَّرسِ


(١) معجم الأدباء: ١٦/ ٢٥١، ٢٥٢.
(٢) المصدر نفسه: ١٦/ ٢٤٠، ٢٤٢

<<  <  ج: ص:  >  >>