للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زيدٌ (١) وإلَّا عمرًا، رفعتَ أحدَ الإِسمين، لأنَّه لا بُدَّ للفعلِ من فاعلٍ، ويَنْتَصِبُ الآخرُ على الاستثناءِ، لأنَّ المعنى تَرَكْتَنِي غيرَ زيدٍ إلَّا عمرًا. فإن سألت: لِمَ لا يجوزُ أن يَرْتَفِعَ الاسمان ها هنا؟ أجبتُ: لأنه (٢) يَلزمُ من ذلك تَعدُّدُ الفِعلِ، والفاعِلُ واحدٌ. فإن سألتَ: لِمَ لا يَجُوزُ أن يكونَ ارتفاعُ الثاني منهما على البَدَلِ؟ أجبت (٢): البَدَلُ على أربعةِ أضرُبٍ، وجميعُ الأضرُبِ ها هنا منتفِيَةٌ. فإن سألتَ: في كلامِ الشَّيخِ ها هُنا نَظَرٌ، وذلك لأنَّ قولَه: تَركوني ليسَ بمنزلةِ ما أَتانِي إلَّا زيْدٌ، ألا تَرى أنَّ زيدًا قد تَرَكَهُ في تَركوني، ولم يَتركه في ما أَتانِي إلَّا زَيْدٌ؟ أجبتُ: الشَّيخُ ها هنا تَعَمَّدَ تسهيلَ الجوابِ، لا تَطْبِيقَ اللَّفظِ بالمعنى، وإن حاوَلتَ ذلك فَقُل: تركَنِي النَّاسُ وراءَ زيدٍ إلَّا عَمرًا، وما ذَكرناه من العِنايةِ أحسَنُ وأَكْثَرُ مطابقةً، ولو قلتَ: ما أتاني إلَّا زيدًا، وإلَّا أبو عبدِ اللهِ كانَ جَيِّدًا إذ كان أبو عبد اللهِ زَيدًا.

قالَ جارُ اللهِ: وتقولُ: ما أَتاني إلَّا عمرًا إلَّا بِشرًا أحدٌ، مَنصوبين لأنَّ التَّقديرَ: ما أَتاني إلَّا عمرًا أحَدٌ إلَّا بِشرٌ على إبدالِ بِشرٍ من أَحَدٍ فَلَمَّا قَدَّمتَهُ عَليه (٣) نَصبتَهُ.

قالَ المشرّحُ: إذا قُلتَ: ما أَتاني إلَّا عَمرًا إلَّا بِشرًا أَحَدٌ نَصبتَ، لأنَّ المُستَثنى إذا كان مُقدّمًا على المُستثنى منه فهو مَنصوبٌ، واحدًا كانَ أو مُتَعَدِّدًا، وتقديرُ الشَّيخِ ها هنا فيه (٤) لُطفٌ ومُداراةٌ، وذَلِكَ أنَّه يقولُ: أنتَ تَعلم أيضًا أن تقديمَ أيِّ مُستَثنَىً كان على مُسْتَثْنَىً منه جائزٌ، وتَعلمُ أيضًا أنَّ إبدالَ أيِّ مُسْتَثْنَىً منه من مُستَثْنىً منه أيضًا، فهب أنّي قُلتُ: ها هنا: ما


(١) في (ب) إلا زيدًا إلا عمرو، وكلاهما يجوز، لكنّ ما أثبته يوافق ما في المقتضب.
(٢) في (أ).
(٣) في (أ).
(٤) في (أ) فهو.

<<  <  ج: ص:  >  >>