للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ المشرّحُ: نشدتُكَ اللهَ معناه: سَأَلْتُك باللهِ، ومحصوله: ما أطلُبُ منك إلَّا فِعْلَك، فإن سألتَ: الفِعل الواقعُ بعدَ الاستثناءِ إذا كانَ في معنى المصدَرِ فكيفَ لم يَرد على صِفَةِ المَصْدَرِ؟ أجبتُ: لأنَّ الفِعلَ الواقعَ قبلَ "إلَّا" قد اجتَمَعَ فيه أنَّه قَسمٌ، بِدَلِيلِ قولِهم: عزمتُ عليكَ لتَفْعَلَنَّ، وأنَّه طَلَبٌ، ومنتَفٍ وقد اجتمَعَ فيه ثلاثُ جهاتٍ، اثنتان منها القَسَمُ والطَّلَبُ، والثالثُ: هي الطَّلَبُ المَنْفِيُّ، أمَّا الثنتان من حيثُ أنَّه قَسَمٌ واجبٌ أن يُتلقى كالقسمِ بجملةٍ مصدّرةٍ باللَّامِ، ومن حيثُ إنه طَلَبٌ، وَجَبَ أنْ يَكونَ الواقِعُ مَصدرًا غَيرَ مُصَدَّرٍ باللَّامِ فقُلنا بأنَّه غيرُ مُصَدّرٍ باللَّامِ عَمَلًا بالدَّليلين بقدرِ الوُسْعِ. وأمَّا الثَّالثةُ: فلأنَّ الفِعلَ الواقِعَ قبلَ الاستثناءِ كما كانَ طَلبًا مَنْفِيًّا اقتضى أن يَتَخَلَّلَ بين الفِعلين حَرفُ الاستثناءِ، تَوفيرًا على الأشياءِ (١) حُقوقَها. فإن سألتَ: الفعلُ الواقعُ بعدَ الاستثناءِ إذا كَانَ في معنى المُستقبلِ فكيف لم يَجِيء مُسْتَقْبَلًا؟ أجبتُ: فرقٌ بين قوله: ألا جَلَسْتُم، وبين أن يُقال ألا تَجْلِسُون، [وذلك لأنَّ ألا جَلَسْتُم طَلَبًا لإِتمامِ الجُلُوسِ والفَرَاغِ منه، بخلافِ يَجلسون] (٢)، فإنه يَحتمل أن يُراد به الافتِعال من غيرِ أن يتمَّ الجُلُوسُ.

قالَ جارُ اللهِ: وكذلك: أَقسمتُ عَلَيْكَ إلَّا فعلتَ، وعن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنه: "بالإِيواءِ والنَّصرِ إلَّا جَلَسْتُم".

قالَ المشرّحُ: يريدُ أَقسمتُ عليكَ إلَّا فَعَلتَ، بمنزلةِ نَشَدْتُك اللهَ إلَّا فَعلتَ، في أنَّه فِعلٌ مُثبَتٌ من حيثُ الظَّاهِرُ مَنْفِيٌّ من حيثُ المَعنى، والمُستَثنى فِعلٌ. وعن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "لما تُوفي رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: بَعَثَ أَبُو بَكرٍ بَعثًا فمرَّوا ببلادِ ضَمادٍ فلمَّا جاوزُوا تلكَ الأرضَ وقفَ أميرُهم فقالَ: أَعزِمُ على كلِّ من أصابَ شيئًا من أَهلِ هذه الأرضِ إلَّا رَدَّه"، وضَمادٌ هو


(١) في (ب) الاستثناء.
(٢) في (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>