للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مررتُ برجلٍ غيرِك ومثلِك وشبهِك ودخل عَليها رُبَّ، قال:

* يا رُبَّ مثلِكِ في النِّسَاءِ غَرِيرةٌ *

قالَ المُشرّحُ: هذا الفَصْلُ قد تَخَبَّطَ فيه النّحويوُن وأَنا أولًا أُصلحُ كلامِهم بقدرِ المُمكن ثُمَّ أَعْتَرِضُ عليه، ثم أذكُرُ الصَّحيحَ.

قالوا: كلُّ اسمٍ أضيفَ إلى المعرفةِ إِضافةً معنويّةً فهو مَعرفةٌ إلَّا أسماءً تَوَغَّلت في إبهامِها فهي نكراتٌ وإن أُضيفت إلى المعارِفِ، ولذلك يُقال: مررتُ برجلٍ غيرِك وشبهِك، فتقعُ صفاتٍ للنكرةِ ولو كانت معارفَ، ولَما كانَ ذلك كذلك، ولذلك دَخَلتَ عَلَيها "رُبَّ" وهي لا تَدْخُلُ إلَّا على النَّكراتِ. وهذا كلامٌ فاسدٌ، وذلك لأنَّ إباءَهَا التَّعريفَ لو كان (١) لتوغُّلها في الإِبهام لما تعرَّف المُغايرُ، والمُماثلُ والمُشابهُ في قولك: مررتُ بالرَّجلِ المُغَايِرِ أَبوه أباكَ، وبالغُلامِ المُماثِلِ وجهُهُ بَدرًا، والمُشابِهُ قَدُّهُ الغُصنَ، لمساواةِ هذه الأسماءِ تلكَ في المعنى حَذوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ، والحقُّ أنَّ هذه الأسماءَ في الأصلِ صفاتٌ، ومن ثَمَّ ذَكَرَ سيبويه أَنَّهُنَّ مضافاتٌ بمعنى اسم الفاعلين في موضعِ مُغايِرِك، ومماثِلِك، ومشابِهِك للحال فلكون الإِضافةِ فيها لم يكتسِ بها المُضافُ تَعريفًا. فإن سَألتَ: لو كانت الإِضافةُ فيها لَفظيَّةً لجازَ أن تَدخلَ عليها اللَّامُ وهي مضافةٌ. أجبتُ: هذه الأسماء وإن كُنَّ في الأصلِ صفاتٍ إلَّا أنَّهُنَّ اغتَصَبنَ طَرفًا من الاسمِيَّةِ، ومن ثَمَّ لا يُعملنَ إِعمالَ سائرِ الصِّفاتِ، فلا يُقال: مررتُ بالرَّجُلِ المثلِ غلامِهِ البدرَ، والشِّبهِ قَدِّه الغُصنَ، فمن حيثُ أنَّهُنَّ صفاتٌ فالإِضافةِ فيهنَّ لفظِيَّةٌ، ومن حيثُ أنَّهنَّ أسماءٌ لم يجز دخولُ اللَّامِ المعرّفةِ على المضافِ توفيرًا على الشبهين حظَّهما، ونظيرُ هذه المسألةِ قولهَم: أقائمٌ الزيدان، ألا


(١) نقل البيكنديّ في المقاليد: ١/ ١٧٩ كلام المؤلف هنا -ولم يسمّه- قال: وقال بعض المتأخرين لو كان عدم تعريف هذه الأسماء لتوغلها في إبهامها لما تعرّف المغاير والمماثل والمشابه لمساواتها تلك حذو القذة بالقذة …

<<  <  ج: ص:  >  >>