للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا قُلْتَ: رَأَيْتَني إيَّايَ، ورأيتَنا إيَّانَا، وهذا لأنَّ المُطَابَقَةَ بينَ البدلِ والمُبْدَلِ أكثرُ منها بينَ التَّأكيدِ والمُؤَكَّدِ، ألا تَرى أنَّ البَدَلَ كأنَّه المُبْدَلُ، بدلِيلِ أنَّ البَدَلَ في حُكْمِ تَنْحِيَةِ المبدَلِ، ولأنَّ ذلك العامِل الذي دَخَلَ على البَدَلِ كأنَّه قد دَخَلَ على المُبْدَلِ ومن ثَمَّ لم يَجُز في قولِكَ: يا زيدُ زيدُ سوى الضَّمِّ، بخلافِ يا تَميمُ أجمعونَ وأَجمعينَ.

قالَ جارُ اللهِ: "ولا يخلو الضَّميرُ المتَّصلُ إذا أُكِّدَ بالمُظهَر من أن يكونَ مرفوعًا أو منصوبًا أو مَجرورًا، فالمرفوعُ لا يُؤَكَّدُ بالمُظهرِ إلَّا بعدَ أن يؤكّدَ بالمُضْمَرِ وذلك قولك: زيدٌ ذهبَ هو نفْسُهُ، وعَيْنُهُ، والقومُ حَضروا هم أَنْفُسُهم وأَعيانُهم، والنِّساءُ حَضرنَ هُنَّ أنفسُهُنَّ وَأَعْيَانُهُنَّ، سواء في ذلك المُستكِنُّ والبارِزُ، وأمَّا المَنصوبُ والمَجْرُور فيؤكَّدانِ بِغَيرِ (١) شَريطةٍ، تقولُ: رَأَيْتُهُ نَفْسَهُ، ومررتُ بهِ نفسِهِ".

قالَ المُشَرِّحُ: إنَّما يُؤكَّدُ المُضمرُ من الفاعلِ بمضمرٍ مثلِهِ ثمَّ بمُظهَرٍ لأنَّ ذلك أخفى للقُبحِ فيكونُ أَولى:

أمَّا بيانُ المقدّمةِ الأُولى: فلأنَّ (٢) الفاعِلَ لا سِيَّمَا المُضمرَ لشدَّةِ اعتِنَاقِ الفعلِ إيَّاه نازِلٌ مَنْزِلَةَ الجُزءِ من الفِعلِ، وَتَأْكِيدُ الجُزءِ من الفِعْلِ قَبِيحٌ، وعلى الخُصُوصِ بالاسم، إلَّا أنَّه جازَ تأكيدُه بالمُضْمَرِ لِخَفَائِه وعَدَمِ تَصْرِيحِهِ.

أمَّا بيانُ المُقدِّمةِ الثَّانِيةِ: فظاهرٌ، فإن سألتَ: ما ذكرتَ من الدَّلِيلِ وإن (٣) دَلَّ على أنَّ تأكيدَ المُضمَرِ أخفىٍ فها هنا ما يَدُلُّ على العَكْسِ، وذلِكَ أنَّه إذا تَأَكَّدَ بالمُضْمَرِ فقد تَأَكَّدَ مَرَّةً ثانيةً بالمُضْمَرِ، عندَ ذلك يكونُ إظهارُ القبحِ أكثرَ بخلافِ ما إذا تأكَّد بالمظهرَ ابتداءً. أجبتُ: ما الدليلُ


(١) في (أ) من غير.
(٢) في (أ) أنّ.
(٣) في (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>