للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنَّها اسمٌ. حُجَّةُ الأولين من وُجُوهٍ، أحدُها: أنَّ معناها في غيرِها، فكانت حرفًا لوجودِ حدِّ الحَرفِ فِيها.

والثاني: أنَّ ما بعدها مجرورٌ أبدًا ولا معنى للإِضافة فيها، فَتَعَيَّنَ أن تكون حرفَ جرّ.

الثَّالثُ: أنَّها تتعلَّقُ أبدًا بفعلٍ، وهذا من خواصِّ الحَرفِ. واحتجَّ الكُوفِيُّون بأنَّها قد أُخبر عنها في قوله:

… رُبَّ قَتلٍ عَارُ

فَرَفَعَ عارًا على الخَبَرِ عنها.

الثَّاني: أنَّها لو كانت حرفَ جَرٍّ لجازَ إظهارُ الفعلِ الذي تَتَعَلَّقُ بهِ، أو لَوَجَبَ، والمحذوفُ خَبَرُها، لا مُتَعَلَّقَها، ونظيرُ الحذفِ فيها خبرُ لَولا، ولَعمرُك. الثَّالثُ: أنَّها نقيضَةُ "كَم"، و"كَم" اسمٌ، فما يقابِلُهُ ويُضادُّهُ كَذلِكَ، ولذلِكَ جاءَت للتَّكثيرِ.

والجوابُ: أمّا الإِخبارُ عن "رُبَّ" فغيرُ صَحيحٍ، لأنَّ رُبَّ لا مَعنى لَها في نَفسِها حتَّى يَصِحَّ نِسبَةُ الخبر إليها، ولذلِكَ تكونُ الصِّفَةُ تابِعةً للمَجرورِ بِرُبَّ في التَّذكير والتَّأنيثِ والإِفرادِ والجَمعِ، ورُبَّ متّحِدَةُ المَعَنى فعُلِمَ أنَّ الخَبَرَ ليس عن رُبَّ، وأمَّا قولُ الشاعِرِ:

… ربَّ قتلٍ عارُ

فـ "عارُ" خبرُ مبتدأ مَحذوفٍ، أي هُو عارٌ، والجُملةُ صفةٌ لمجرورِ رُبَّ، وأمَّا الفعلُ الّذي يَتَعَلَّقُ بهِ "رُبَّ" فيجوزُ إظهارُهُ، وإنَّما اكتَفوا بالصِّفَةِ عنهُ في كَثير من المَواضِعِ لظُهورِ مَعناه. وأمَّا حَملُها على "كَمْ" في الإِسمِيَّةِ فلا يَصِحُّ لِوَجهين: أَحَدُهُما: أنَّ الإِسميّة لا تَثبُتُ بالقياس، وإنَّما تَثبُتُ بتناوُلِ حَدّ الاسمِ، أَلَا تَرَى أنَّ مَعنى "مِنْ" التَّبعِيضُ، ولا يُقالُ: هي اسمٌ، لأنَّها في مَعنى التَّبعيض، وكذلِكَ مَعنى "مَا" النَّفيُ وهي حَرفٌ، وأيضًا فـ "كَمْ" اسمٌ لِعَدَدٍ وكذلِكَ يخبَرُ عَنها ويَدخُلُ عليها حَرفُ الجَرِّ، ويقومُ مَقامَها العَدَدُ الكَثيرُ. وأمَّا رُبَّ فَلِلتَّقلِيلِ، والتَّقليلُ كالنَّفي ولذلِكَ استَعمَلُوا قَلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>