للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَلْفَ جُزْءٍ وَمَا كَانَ يَعْرِفُ مِنْ الْفِقْهِ شَيْئًا وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ مِنْ يُقْدِمُ عَلَى الْفَتْوَى بِالخَطَأِ لِئَلَّا يُرَى بِعَيْنِ الْجَهْلِ، فَكَانَ فِيهِمْ مِنْ يَصِيرُ بِمَا يُفْتِي بِهِ ضُحَكَةً، فَسُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنَ الْفَرَائِضِ فَكَتَبَ فِي الْفَتْوَى: تُقَسَّمُ عَلَى فَرَائِضِ اللَهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ... وَقَدْ رَأَّيْنَا فِي زَمانِنَا مِنْ يَجْمَعُ الْكُتُبَ مِنْهُمْ وَيُكْثِرُ السَّمَّاعَ وَلَا يَفْهَمُ مَا حَصَلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَحْفِّظُ القُرْآنَ وَلَا يَعْرِفُ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ فَتَشَاغَلَ هَؤُلَاءِ عَلَى زَعْمِهِمْ بِفُرُوضِ الْكِفَايَةِ عَنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ وَإِيثَارِ مَا لَيْسَ بِمُهِمِّ عَلَى الْمُهِمِّ مِنْ تَلْبِيسِ إِبْلِيسَ. الْقِسْمُ الثَّانِي: قَوْمٌ أَكَثَّرُوا سَمَاعَ الْحَديثِ وَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُمْ صَحِيحًا وَلَا أَرَادُوا مَعْرِفَةَ الصَّحِيحَ مِنْ غَيْرِه بِجَمْعِ الطُّرُقِ وَإِنَّمَا كَانَ مُرَادُهُمْ الْعَوَالِي وَالْغرائبَ فَطَافُوا الْبُلْدَانَ لِيَقُولَ أَحَدُهُمْ: لَقِيَتُ فُلَانًا وَلِي مِنَ الأَسَانِيدِ مَا لَيْسَ لَغَيْرِي وَعِنْدِي أَحَادِيثٌ لَيْسَتْ عِنْدَ غَيْرِي ... وَمِنْ تَلْبِيسِ إِبْلِيسَ عَلَى أَصِحَابِ الْحَديثِ قَدْحُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ طَلَبًا لِلْتَّشَفِّي وَيُخْرِجُونَ ذَلِكَ مَخْرَجَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، الذِي اِسْتَعْمَلَهُ قُدَمَاءُ هَذِهِ الأُمَّةِ لِلْذَّبِّ عَنْ الشَّرْعِ، وَاللَّهُ أَعلمَ بِالْمَقَاصِدِ. وَدَليلُ مَقْصَدِ خُبْثِ هَؤُلَاءِ سُكُوتُهُمْ عَمَّنَ أَخَذُوا عَنْهُ وَمَا كَانَ الْقُدَمَاءُ هَكَذَا فَقَدْ كَانَ عَلَيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ ضَعِيفًا ثَمَّ يَقُولُ: " وَفِي حَديثَ الشَّيْخِ مَا فِيه "» (١). وأما الفقهاء فيسرد ابن الجوزي ما يؤخذ عليهم وما به يلامون، وينقدهم بقوله: «كَانَ الْفُقَهَاءُ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ هُمْ أَهْلُ القُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، فَمَا زَالَ الأَمْرُ يَتَنَاقَصُ حَتَّى قَالَ المُتَأَخِّرُونَ: يَكْفِينَا أَنْ نَعْرِفَ آيَاتَ الأَحْكَامِ مِنَ القُرْآنِ وَأَنْ نَعْتَمِدَ عَلَى الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْحَديثِ، كَـ " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " وَنَحْوِهَا ثُمَّ اِسْتَهَانُوا بِهَذَا الأَمْرِ أَيْضًا وَصَارَ أَحَدُهُمْ يَحْتَجُّ بِآيَةٍ لَا يَعْرِفُ مَعَنَاهَا؛ وَبِحَدِيثٍ لَا يَدْرِي أَصَحِيحٌ هُوَ أَمْ لَا، وَرُبَّمَا اِعْتَمَدَ عَلَى قِيَاسٍ


(١) " نقد العلم والعلماء "، أو " تلبيس إبليس ": ص ١١١، ١١٤.

<<  <   >  >>