للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى كل حال، فالقول بوجوب الوتر من المعالم الرئيسية التي تميز مذهب أبي حنيفة، ولئن انتقد في بعض المسائل لإهماله الأخذ بالحديث فهو ينتقد هنا للمبالغة في الأخذ به. ولعل الأرجح هنا هو القول بأن الوتر سنة مؤكدة، وهو قول المحدثين (١).

١٨ - صَلاَةُ الوِتْرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ:

رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّهُ صَلَّى عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَوْتَرَ عَلَيْهَا , وَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسْ، وَنَافِعٍ، وَسَالِمٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوتِرُون عَلَى رَوَاحِلِهِمْ، وَلَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا»، ثُمَّ قَالَ:

- «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُوتِرَ عَلَيْهَا "».

هذه المسألة تابعة للخلاف في فرضية الوتر أو وجوبه، وعدمه، وعلى القول بوجوبه لا تصح صلاته على راحلته ويوتر على الأرض، ويزعم أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعل ذلك، غير أن من يرى صلاة الوتر على الراحلة لا يرى في هذا التعارض بأسًا، إذ يجوز أن يوتر على الأرض والراحلة، كما يفعل في النوافل، ولهذا قال الطحاوي بعد روايته للآثار في ذلك: «وَالوَجْهُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , كَانَ يُوتِرُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ الوِتْرَ، وَيُغَلِّظَ أَمْرَهُ , ثُمَّ أُحْكِمَ بَعْدُ , وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي تَرْكِهِ». وأيد ذلك بالنظر العقلي من أن الوتر لا تصح صلاته على الأرض قاعدًا لمن يطيق القيام. خلافًا للنوافل فكذلك لا يصليه في سفره على الراحلة وهو يطيق النزول (٢).

١٩ - الوِتْرُ بِرَكْعَةٍ:

وَبِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الوِتْرُ وَاحِدَةٌ».


(١) انظر أبواب الوتر في " البخاري ": ١/ ١٦٦؛ و" الترمذي ": ٢/ ٢٤٥، ٢٥٦؛ و" النسائي ": ٣/ ٢٢٨، ٢٥١؛ و" أبي داود ": ٢/ ٨٣، ٩١؛ و" ابن ماجه ": ١/ ٣٧٠، ٣٧٩.
(٢) انظر " معاني الآثار ": ١/ ٢٤٩، ٢٥٠؛ و" فتح القدير ": ١/ ٣٠٢.

<<  <   >  >>