للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفَصْلُ الثَّالِثُ: فُقَهَاءُ المُحَدِّثِينَ وَمَذْهَبُ أَهْلِ الحَدِيثِ:

أثبتنا فيما تقدم أنه لم يكن هناك فرق بين المحدث والفقيه في عصر الصحابة والتابعين، وأن البحث عن الحديث كان يعني في نفس الوقت البحث عن الأحكام الفقهية، غاية الأمر أن فريقًا من الصحابة والتابعين أكثروا من رواية الحديث، وأن آخرين منهم أكثروا من الفتوى، وقد عد ابن عبد البر في جملة المُفْتِينَ برأيهم كل المعروفين من التابعين في مختلف الأمصار (١) وكذلك فعل ابن القيم تبعًا لابن حزم (٢). وكان هذا المزج بين المحدث والفقيه معروفًا حتى عصر عمر بن عبد العزيز، إذ يروي ابن سعد أن عمر بن عبد العزيز لما قدم المدينة واليًا عليها دعا عشرة نفر من فقهاء البلد وقال لهم: «إِنِّي دَعَوْتُكُمْ لأَمْرٍ تُؤْجَرُونَ عَلَيْهِ [وَتَكُونُونَ فِيهِ أَعْوَانًا عَلَى الْحَقِّ]. مَا أُرِيدُ أَنْ أَقْطَعَ أَمْرًا إِلَّا بِرَأْيِكُمْ أَوْ بِرَأْيِ مَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَحَدًا يَتَعَدَّى أَوْ بَلَغَكُمْ عَنْ عَامِلٍ لِي ظَلامَةً: فَأُحَرِّجُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ بَلَغَهُ ذَلِكَ إِلا أَبْلَغَنِي. فَجُزُّوهُ خَيْرًا وَافْتَرِقُوا» (٣). هؤلاء الفقهاء العشرة يذكرون أيضًا كرواة الحديث على اختلاف بينهم قلة وكثرة من الحديث أو الإفتاء.

وقلة الفتوى أو كثرتها قد ترجع إلى عوامل نفسية، تدفع بعض العلماء إلى


(١) انظر " جامع بيان العلم ": ٢/ ٦١، ٦٢.
(٢) انظر " إعلام الموقعين ": ١/ ٢٥، ٣٠.
(٣) " الطبقات " لابن سعد: ٥/ ٢٤٥، ٢٦٦، ومنهم عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد وغيرهم.

<<  <   >  >>