نستطيع أن نعتبر عصر الصحابة منبع الآراء الفقهية: منه تنبع وتتدفق، ثم تسيل متشعبة في أودية الزمن، مكتسبة في مسيرتها ما اختلطت به من الطبائع والعقول والبيئات المتفاوتة، مثلما يكتسب الماء من خواص الأرض التي يمر عليها ما يحفظ عذوبته وخواصه أو يخرجه عنها.
ونظرة فاحصة إلى معظم المذاهب الإسلامية بما تمثله من اتجاهات فقهية تؤكد ما نقول، وتكشف عن جذور هذه المذاهب الممتدة إلى عصر الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - تمتص منه حياتها، وتتلمس فيه البراهين على صحتها، واستقامة طريقها، وتستأنس به لما تذهب إليه، فإن العصر الممتلئ بالإيمان، الفياض بالحركة - قد جرى فيه من الأحداث، وصراع الأفكار، وألوان النزاع - ما جعل له الأثر الأول في اتجاهات العصور التالية لهم.
وتعرضنا لهذا العصر، إنما هو من جانب تأثيره في المحدثين وتأثرهم به، عن طريق النماذج التي يشبهونها، أو التي يلتقون معها في المنزع، ويشاركونها في المشرب، ويقتفون أثرها: سواء في السلوك أو التفكير.
وقبل أن نخوض في ذلك نوجز القول في تعريف الصحابي، وفي بيان مراتب الصحابة من العلم:
حَدُّ الصَّحَابِيِّ:
للعلماء أقوال كثيرة في حد الصحابي، وهذه الأقوال يمكن حصرها في اتجاهين رئيسيين: