للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نظر إلى فهم، أو عمل، أو تطبيق - منذ هذا القرن الثاني تميز المحدثون وأخذوا مكانهم بين المذاهب المختلفة. يقول بِشْرِ بْنِ الحَارِثِ الحَافِي (ت ٢٢٢ هـ) مُخَاطِبًا المُحَدِّثِينَ: «أَدُّوا زَكَاةَ هَذَا الحَدِيثِ. قَالُوا وَمَا زَكَاتُهُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْمَلُوا بِخَمْسَةِ أَحَادِيثَ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ حَدِيثٍ» (١) وهذه العبارة تدل دلالة واضحة على كثرة الجمع وقلة العمل.

هؤلاء الصحابة الأربعة المكثرون من رواية الحديث، والذين اخترناهم للدراسة، كنماذج للمحدثين في عصر الصحابة، نستطيع أن نقسمهم إلى مجموعتين:

المجموعة الأولى: تضم السيدة عائشة وابن عباس.

المجموعة الثانية: تضم أبا هريرة وابن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -.

وهذا التقسيم يستند على أسس كثيرة، تبرزها المقارنة بين المجموعتين، فمن هذه الأسس:

١ - المُوَازَنَةُ بَيْنَ المَجْمُوعَتَيْنِ فِي كَمِّيَّةِ الفَتْوَى:

كمية الفتوى: فالمجموعة الأولى أجرأ على الفتوى، وما أثر عنها من الفتوى أكثر مما أثر عن المجموعة الثانية. وإثبات ذلك بالنسبة لأبي هريرة أمر سهل، حيث ذكره ابن حزم في المتوسطين في الفتيا، غير أنا إذا قارناه بهما، فسوف ترجح أنه كان في الفتيا أقل منهما، يشهد لذلك ما عرف عنه من ورعه وتشدده وما شهد عليه به تلاميذه في مجال المقارنة بينه وبين ابن عباس: فَقَدْ رَوَى الدَّارِمِيُّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «كُنْتُ أَجْلِسُ بِمَكَّةَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَوْمًا، وَإِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَوْمًا، فَمَا يَقُولُ ابْنُ عُمَرَ فِيمَا يُسْأَلُ: " لَا عِلْمَ لِي "، أَكْثَرُ مِمَّا يُفْتِي بِهِ» (٢).


(١) " الفكر السامي ": ٣/ ٥٠.
(٢) " سنن الدارمي ": ١/ ٥٧.

<<  <   >  >>