للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اضْطِرَابُ المُؤَرِّخِينَ فِي تَعْيِينِ أَهْلِ الرَّأْيِ وَأَهْلِ الحَدِيثِ:

وقد اضطرب المؤرخون في تحديدهم أهل الحديث وأهل الرأي، فاختلفوا في التقسيم، كما اختلفوا في التقويم، لاختلاف وجهاتهم في أسباب التقسيم من ناحية، ولنظرتهم إلى فترة زمنية معينة يُعَمَّمُونَ نَتَائِجَهَا على كل العصور السابق منها واللاحق من ناحية ثانية، وأحيانًا تتعدد وجهات النظر لدى الشخص الواحد، وتغمض عليه الفوارق، فيضطرب في تقويمه لشخص ما، يُرَدِّدُهُ بين أهل الحديث وأصحاب الرأي:

فابن قتيبة (ت ٢٧٠ هـ) يَعُدُّ كل المجتهدين تقريبًا في أصحاب الرأي، ولم يذكر في المُحَدِّثِينَ إلا المشتغلين بالرواية ممن لا شهرة لهم في ميدان الفقه، ثم لم يَعُدَّ أحمد بن حنبل لا في جملة الفقهاء وَلَا فِي زُمْرَةِ المُحَدِّثِينَ، ولكنه يشير إليه في مقدمة كتابه " تأويل مختلف الحديث " فيذكره من بين العلماء المبرزين، والفقهاء المتقدمين، وَالعُبَّادِ المُجْتَهِدِينَ الذين لا يجارون ولا يبلغ شأوهم، وأمثال هؤلاء ممن قرب من زماننا، ثم يذكر من بين الأخيرين أحمد بن حنبل ولكنه يعود فيُخَصِّصَ في هذا الكتاب نفسه أهل الرأي بأبي حنيفة وأصحابه (١).

ويجيء المقدسي فيَعُدُّ أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه من أصحاب الحديث، وَلَا يَعُدَّهُمَا من أهل المذاهب الفقهية الذين عَدَّ منهم الحنفية والمالكية والشافعية والظاهرية. وفي موضع آخر يعتبر المقدسي الشافعية أصحاب الحديث خلافًا للحنفية، ولكنه في موضع ثالث يعتبر أبا حنيفة والشافعي أهل رأي خلافًا لأحمد بن حنبل (٢).


(١) انظر " المعارف ": ص ١٦٩، ١٧١؛ و" تأويل مختلف الحديث ": ص ١٩، ٢٠، ٦٧، ٦٩.
(٢) انظر " أحسن التقاسيم ": ص ٣٧، ١٤٣، ١٧٩، ١٨٠.

<<  <   >  >>