للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَيَنْوِيَهُ» (١).

وكما غَالَى بعض العلماء في اعتبار المقاصد - غَالَى بعضهم الآخر في اعتبار ظاهر الأعمال دون نظر إلى النية، كالذي يؤثر عن أبي حنيفة وأصحابه، من أن من أراد أن يقول شيئًا لامرأته فسبقه لسانه، فقال: أنت طالق - لزمه الطلاق في القضاء وفي الفتيا وبينه وبين الله - عَزَّ وَجَلَّ -.

وقد ذهب الجمهور في هذه المسألة إلى أن هذا المطلق غير القاصد للطلاق إن قامت عليه بينة - قضى عليه بالطلاق. وإن لم تقم عليه بَيِّنَةٌ، لكن جاء يستفتي لم يلزمه الطلاق، لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: ٥]، وحديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، أما إذا قامت بينة، فإنه حق ثبت، وقد ادعى بطلان ذلك الحق بقول هـ: «لَمْ أَنْوِ الطَّلاَقَ» فدعواه باطلة (٢).

نَتَائِجُ هَذَا الاِتِّجَاهِ:

وقد كان من نتائج هذا الاتجاه الخلقي النفسي، الذي يحتفي بالنية والقصد، ويهتم بالمآلات التي تصير إليها الأفعال، حيث تعتبر من العوامل التي تحدد القصد، وتعين على تعرفه - أن مال أهل الحديث إلى القول بسد الذرائع، كما مالوا بكل ثقلهم إلى القول بإبطال الحيل.

ويهمنا الآن أن نستكشف العلاقة ما بين هذا الاتجاه عند المحدثين وموقفهم من الذرائع والحيل.


(١) انظر " المحلى ": ١٠/ ١٩٨، ١٩٩؛ وانظر " البخاري بحاشية السِندي ": ٣/ ٣٧٣؛ و" الترمذي ": ٥/ ١٥٥، ١٥٦؛ و" أبا داود ": ٢/ ٣٥٥؛ و" ابن ماجه ": ١/ ٦٥٧؛ و" النسائي ": ٦/ ١٥٦.
(٢) " المحلى ": ١٠/ ١٩٨، ١٩٩، ٢٠٠، ٢٠١.

<<  <   >  >>