ويلاحظ أن الموضوعات التي عني بها البخاري بالرد على أهل الرأي أقل كثيرًا من المسائل التي انتقدها ابن أبي شيبة على أبي حنيفة، لأن كثيرًا من هذه المسائل التي انتقدها شيخه، كان أبو حنيفة فيها مستندًا إلى حجج قوية، ووافقه على رأيه بعض الأئمة ومنهم البخاري. فكان من الضروري أن يمحص البخاري هذه المسائل، ثم يركز نقده على ما هو جدير بالنقد منها.
كما يلاحظ أيضًا أن البخاري قد افترق عن شيخه، في أنه قد اعتنى ببيان وجهة نظر أهل الرأي، ولم يضن عليهم بذكر حجتهم أو موضع شبهتهم، في حدود ما تسمح به ظروف التأليف، لأن الغرض من " صحيحه " لم يكن عرض الآراء الفقهية ومناقشتها، بل هو جمع لما صح من الأحاديث، واستنباط للأحكام الفقهية منه. أما المسألتان اللتان أفردهما بالتأليف، فقد بسط فيهما القول، وتوسع في عرض الآراء ومناقشة الحجج.
وسوف يعرض هذا الفصل هاتين المسألتين، ثم يتتبع المسائل التي ناقشها البخاري مع أهل الرأي، مشيرًا إليهم بقوله:«وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ» مما جاء في " صحيحه ".
وقد سمي كتاب البخاري الذي عالج هذه المسألة:" قرة العينين برفع اليدين في الصلاة "، وهو مطبوع على هامش كتاب " خير الكلام في القراءة خلف الإمام "، بالمطبعة الخيرية بمصر سنة ١٣٢٠ هـ.
ويتضح من عنواني الكتابين أنهما ليسا من صنع البخاري، لما فيهما من السجع المتكلف، كما أنهما ليسا كبيرين، وإنما هما جزءان صغيران.