وإنكار من أنكر هذا الحديث مبني على أنه معارض للأمر بالإسكان في قوله تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}[الطلاق: ٦]، فذهب بعض الصحابة إلى رد ما روته فاطمة وأوجب للبائنة النفقة والسكنى، وذهب بعضهم إلى ما قرره حديث فاطمة فلم يوجب لها نفقة ولا سكنى، وذهب بعض العلماء منهم مالك والليث والشافعي، إلى وجوب السكنة لها دون النفقة لأن الآية أوجبت السكنى دون النفقة، ولأن بعض روايات الحديث أثبتت أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسكنها دار ابن أم مكتوم مدة العدة، لأنها كانت تخشى على نفسها إن سكنت دار زوجها الذي كان غائبًا باليمن ولم يكن بينها وبين أهله مودة، بل كانت تتطاول عليهم بلسانها (١).
ومما يميز السيدة عائشة وابن عباس عن ابن عمر وأبي هريرة، دأبهما على البحث عن علل الأحكام، وتحري غايات الشريعة، وعدم الوقوف عند ظاهر النصوص في أغلب الأحوال.
وقد سبق ذكر رأي السيدة عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - في حكم أكل الحمر الأهلية وميلها إلى الحل مستندة إلى عموم القرآن، وكان ابن عباس يميل نفس الميل، إلا أن مستنده فيما ذهب إليه أن النهي عن أكل لحم الحمر الأهلية مُعَلَّلٌ بِعِلَّةٍ يجب البحث عنها، ومقتضى ذلك أنه إذا زالت العلة زال النهي وعادت الإباحة.
وإذا كان ابن حزم قد اعتذر عن السيدة عائشة بأن النهي لم يبلغها ولو
(١) " الترمذي ": ٥/ ١٤٠، ١٤٦ وذكر ابن رشد أن الأولى إما أن يقال بأن لها الأمرين جميعًا أي السكنى والنفقة أخذًا بظاهر الكتاب وأما أَنْ يُخَصَّصَ العُمُومُ بحديث فاطمة فلا يكون لها سكنى ولا نفقة، أما أن يكون لها السكنى دون النفقة فهو ضعيف الدليل (انظر " بداية المجتهد ": ٢/ ٧٩).