للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دائمًا إلى شيء من الشذوذ والحرج، مما رأينا أمثلة له قبل ذلك بقليل، ومن أمثلته أيضًا أن ابن حزم أبطل الصيام بارتكاب معصية ما، أَيًّا كانت هذه المعصية، وفي ذلك يقول: «وَيُبْطِلُ الصَّوْمَ أَيْضًا تَعَمُّدُ كُلِّ مَعْصِيَةٍ - أَيِّ مَعْصِيَةٍ كَانَتْ، لَا نُحَاشِ شَيْئًا - إذَا فَعَلَهَا عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ، كَمُبَاشَرَةِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرٍ، أَوْ تَقْبِيلِ امْرَأَتِهِ وَأَمَتِهِ المُبَاحَتَيْنِ لَهُ مِنْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرٍ، أَوْ إتْيَانٍ فِي دُبُرِ امْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا، أَوْ كَذِبٍ، أَوْ غِيبَةٍ، أَوْ نَمِيمَةٍ، أَوْ تَعَمُّدِ تَرْكِ صَلاَةٍ، أَوْ ظُلْمٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا حَرُمَ عَلَى المَرْءِ فِعْلُهُ؟». واحتج لذلك بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ، وَلَا [يَصْخَبْ] فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ؟ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ». وبالحديث الشريف: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ». ثم روى عن أنس بن مالك: «إذَا اغْتَابَ الصَّائِمُ أَفْطَرَ»، وَعَنْ النَّخَعِيِّ قَالَ: «كَانُوا يَقُولُونَ: الْكَذِبُ يُفْطِرُ الصَّائِمَ» (١).

مع ملاحظة أنه لا يروي قول أنس وإبراهيم النخعي للاحتجاج، ولكن ليبين أنه غير شاذ فيما ذهب إليه.

وبهذا المنطق أيضًا يؤكد ابن حزم أن كل فسوق يتعمده المحرم في الحج ذاكرًا لإحرامه، فقد بطل إحرامه وحجه وعمرته، لقول الله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (٢).

نَقْلُ النُّصُوصِ فِي المِيزَانِ الظَّاهِرِي:

هذه صورة لجانب هام من الفقه الظاهري في فهمه للنصوص، رأينا


(١) " المحلى ": ٦/ ١٧٤، ١٧٩.
(٢) " المحلى ": ٧/ ١٩٥، ١٩٦. وانظر ٧/ ٤١٥، ٤١٦ وما استدل به من الآية [البقرة: ١٩٧].

<<  <   >  >>