للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُعَارِضُهُ حَديثٌ صَحِيحٌ وَلَا يَعْلَمُ لِقِلَّةِ اِلْتِفَاتِهِ إِلَى مَعْرِفَةِ النَّقْلِ. وَإِنَّمَا الْفِقْهُ اِسْتِخْرَاجٌ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَكَيْفَ يَسْتَخْرِجُ مِنْ شَيْءٍ لَا يَعْرِفُهُ، وَمِنَ الْقَبِيحِ تَعْلِيقُ حُكْمٍ عَلَى حَديثٍ لَا يَدْرِي أَصَحِيحٌ هُوَ أَمْ لَا. وَمِنْ تَلْبِيسِ إِبْلِيسَ عَلَى الْفُقَهَاءِ أَنَّ جُلَّ اِعْتِمادِهِمْ عَلَى تَحْصِيلِ عَلْمِ الْجَدَلِ وَيَطْلُبُونَ بِزَعْمِهِمْ تَصْحِيحَ الدَّليلِ عَلَى الْحُكْمِ وَالاِسْتِنْبَاطِ لِدَقائِقِ الشَّرْعِ وَعِلَلِ الْمَذَاهِبِ، وَلَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الدَّعْوَى مِنْهُمْ لَتَشَاغَلُوا بِجَمِيعِ الْمَسَائِلِ وَإِنَّمَا يَتَشَاغَلُونَ بِالْمَسَائِلِ الْكِبَارِ لِيَتَّسِعَ فِيهَا الْكَلَامُ فَيَتَقَدَّمُ الْمُنَاظِرُ بِذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ فِي خِصَامِ النَّظَرِ، فَهَمَّ أَحَدُهُمْ بِتَرْتِيبِ الْمُجَادَلَةِ وَالتَّفْتِيشِ عَلَى الْمُنَاقَضَاتِ طَلَبًا لِلْمُفَاخَرَاتِ وَالْمُبَاهَاةِ وَرُبَّمَا لَمْ يَعْرِفْ الْحُكْمَ فِي مَسْأَلَةٍ صَغِيرَةٍ تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى. وَمِنْ ذَلِكَ إِيثَارُهُمُ لِلْقِيَاسِ عَلَى الْحَديثِ الْمُسْتَدَلِّ بِهِ فِي المَسْأَلَةِ لِيَتَّسِعَ لَهُمْ الْمَجَالُ فِي النَّظَرِ وَإِنْ اِسْتَدَلَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْحَدِيثِ هَجَنَ. وَمِنَ الأَدَبِ تَقْدِيمُ الاِسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا النَّظَرِ جُلَّ اِشْتِغَالِهِمْ وَلَمْ يَمْزِجُوهُ بِمَا يُرَقِّقُ الْقُلُوبَ مِنْ قِرَاءةِ الْقُرْآنِ وَسَمَاعِ الْحَدِيثِ وَسِيرَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقُلُوبَ لَا تَخْشَعُ بِتِكْرَارِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ، وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَى التِّذْكَارِ وَالْمَوَاعِظِ لِتَنْهَضَ لِطَلَبِ الآخِرَةِ» (١).

مِنْ نَتَائِجِ صِرَاعِ المُحَدِّثِينَ مَعَ الفُقَهَاءِ وَالمُتَكَلِّمِينَ:

هذه هي أهم مظاهر النزاع بَيْنَ المُحَدِّثِينَ وَخُصُومِهِمْ من المُتَكَلِّمِينَ والفقهاء، وقد أسفرت هذه الخصومة عن نتائج، كان أهمها ما يلي:


(١) " تلبيس إبليس ": ص ١١٥، ١١٦.

<<  <   >  >>