للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتقيد مطلقه وتبين إجماله، وتنسخ من أحكامه، وينسخ القرآن من أحكامها، بل جعلوا أخبار الآحاد مفيدة للعلم، لا للظن الراجح كما هو مذهب الجمهور، وقد خالفوا أيضًا في اعتبارهم دلالة العام قطعية لا ظنية، وإن كان المؤدى واحدًا من حيث إنهم يتفقون مع الجمهور في قدرة السنة على تخصيص القرآن، وإن كان الطريق مختلفًا فالجمهور يعتبر العام ظنيًا، وأخبار الآحاد ظنية، فجاز تخصيص القطعي بالقطعي.

مَفْهُومُ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ عِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ:

وسلوك الظاهرية في فهم الأوامر والنواهي التي تتضمنها النصوص أحد المظاهر الهامة في الفقه الظاهري، وقد اختلف العلماء في موجب الأمر وما وضع له، وينص ابن حزم على رأي الظاهرية في هذا، مع إشارته للآراء الأخرى. فيقول: «الذِي يُفْهَمُ مِنَ الأَمْرِ أَنَّ الآمِرَ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مَا أَمَرَ، وَأَلْزَمَ المَأْمُورَ ذَلِكَ الأَمْرَ. وَقَالَ بَعْضُ الحَنَفِيِّينَ وَبَعْضُ المَالِكِيِّينَ وَبَعْضُ الشَّافِعِيِّينَ: إِنَّ أَوَامِرَ القُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَنَوَاهِيهُمَا عَلَى الوَقْفِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى حَمْلِهَا: إِمَّا عَلَى وُجُوبٍ فِي العَمَلِ أَوْ فِي التَّحْرِيمِ وَإِمَّا عَلَى نَدْبٍ وَإِمَّا عَلَى إِبَاحَةٍ».

«وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنَ الطَّوَائِفِ التِي ذَكَرْنَا وَجَمِيعِ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ إِلَى القَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى الوُجُوبِ فِي التَّحْرِيمِ أَوْ الفِعْلِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى صَرْفِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَى نَدْبٍ أَوْ كَرَاهَةٍ أَوْ إِبَاحَةٍ فَتَصِيرُ إِلَيْهِ» (١).

فدلالة الطلب على وجوب الفعل أو الترك، ليست مما انفرد به أهل


(١) " الإحكام "، لابن حزم: ج ٣ ص ٢؛ وانظر " النبذ " له: ص ٢٧، ٢٩.

<<  <   >  >>