للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المَسَائِلُ المُنْتَقَدَةُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي القَضَاءِ وَالقَصَاصِ وَالحُدُودِ:

١ - قَضَاءُ القَاضِي بِشَهَادَةِ الزُّورِ:

رَوَى أَبُو بَكْرٍ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْكُمْ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ، يَأْتِي بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ». وبعد أن روى هذا الحديث من طريقين آخرين قال:

- وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَوْ أَنَّ شَاهِدَيْ زُورٍ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى رَجُلٍ بِطَلاَقِ امْرَأَتِهِ، فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا، أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا».

هل حكم الحاكم يجعل الشيء المختلف فيه حلالاً؟ لقد فرقوا في هذا الموضع بين ما كان مالاً وغيره. أما ما كان مالاً فقد أجمع العلماء على أن حكم الحاكم بحسب ما ظهر له لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالاً، بدليل ما جاء في الحديث السابق. ولكنهم اختلفوا في غير الأموال، كالنكاح والطلاق إذا حكم القاضي فيهما بناءً على ما ظهر له: فذهب الجمهور إلى أن حكم القاضي الظاهري لا يؤثر في حقيقة الأمر وباطنه. وَسَوَّوْا بين الأموال وغيرها في ذلك، فلو حكم القاضي بنكاح أو طلاق بناءً على شهادة شهود ظاهرهم العدالة، ولكنهم كذبوا في شهادتهم دون علم من القاضي، فإن هذا القضاء لا يحل ما هو حرام في الواقع، ولا يحرم ما هو حلال في الواقع، وإلى ذلك ذهب أبو يوسف، أما أبو حنيفة،

<<  <   >  >>