بـ «حَدِيثِ بِئْرِ بُضَاعَةَ» على إطلاقه، لأن حديث القلتين، وحديث غسل اليد عند الاستيقاظ، والنهي عن البول في الماء الراكد - كل ذلك يؤكد أن النجاسة تؤثر في قليل الماء. فما من أحد غير أبي حنيفة إلا خالف الحديث المقابل لما أخذ به.
والواقع أن انتقاد أبي حنيفة في هذه المسألة يمثل النظر الظاهري عند ابن أبي شيبة، فقد فهم أن الاقتصار على ثلاثة أحجار كاف في الإجزاء، ولو لم يحدث الإنقاء، امتثالاً للأمر في ذلك. على حين فهم أبو حنيفة أن المقصود هو الإنقاء، فإذا أنقى حجر واحد أو اثنان جاز، وإذا لم يتم الإنقاء بالأحجار، وجب استعمال ما يتم به وهو الماء. وقد ذهب النسائي إلى جواز الاقتصار على ما دون الأحجار الثلاثة.
وقد قدمنا أن اختلاف البيئة دفع بعض العلماء إلى أن يستهجن الاستنجاء بالماء، مع أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستعمله، وكان إذا خرج لحاجة حمل له أنس إداوة من ماء. وروى النسائي أن السيدة عائشة قالت لبعض النساء:«مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَسْتَطِيبُوا بِالمَاءِ، فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ مِنْهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ»(١)
(١) " النسائي "، المكتبة التجارية: ١/ ٣٩، ٤١، ٤٣؛ وانظر " شرح معاني الآثار ": ١/ ٧٢، ٧٣.