للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِذَلِكَ فَتَبْطُلَ الصَّدَقَةُ عَنْهَا بِأَنْ يَصِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَا يُحْتَالُ فِي إِبْطَالِ الصَّدَقَةِ بِوَجْهٍ» (١).

وَقَدْ تَشَكَّكَ الأُسْتَاذُ أَبُو زُهْرَةَ (*) فِي نِسْبَةِ هَذِهِ الحِيلَةِ المُتَعَلِّقَةِ بِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ إِلَى أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ الأَمَالِي، بَلْ رَفَضَهَا لِأَنَّ الأَمَالِي لَيْسَتْ فِي قُوَّةِ ظَاهِرَةِ الرِّوَايَةِ (٢).

ولا شك أن هذه المسألة تتعلق بأثر القصد في التصرفات، لأن من تصرف في ماله قبل الحول بهبة أو بغيرها، دون أن يتنبه إلى أن هذا التصرف ينقص ماله عن النصاب فلا تجب فيه الزكاة - كان تصرفه مباحًا، ولا إثم عليه، بل هو مأجور إن أنفق ما أنقص ماله في وجوه البر.

أما إذا قصد بهذا التصرف أن يحتال على منع وجوب الزكاة فهو آثم عند الجميع بهذا القصد، لكن هل يؤثر هذا القصد في وجوب الزكاة عليه واعتبارها دينًا في ذمته، أو لا يؤثر، فلا يجب عليه شيء؟.

فالأحناف - إن صح ما نقل عن أبي يوسف - يسقطون الزكاة، وعزاه العيني إلى الشافعي (٣) أيضًا، والبخاري ومالك وغيرهما، لا يسقطونها، بل هي ثابتة في ذمة صاحب المال.

فِي النِّكَاحِ:

وقد كرر البخاري قول: «بَعْضُ النَّاسِ» في هذا الباب خمس مرات: مرة في مناقشة نكاح الشغار، ومرة في نكاح المتعة، وثلاث مرات في إثبات النكاح وتحليل الوطء بشهود الزور.


(١) انظر " فتح الباري ": ١٢/ ٢٩٣.
(٢) انظر " أبو حنيفة ": ص ٤٣٣ وهامشها.
(٣) انظر " عمدة القاري ": ١١/ ٢٦٦.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) بعد أن ذكر قول السرخسي في " المبسوط ": ج ٥ ص ٢٤٠ واستدلال أبي يوسف في الأمال، يقول الشيخ محمد أبو زهرة - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: «وَإِنِّي أَتَرَدَّدُ كُلَّ التَّرَدُّدِ فِي قَبُولِ رِوَايَةِ الأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللهُ - بَلْ أَرْفُضُهَا، وَالأَمَالِي لَيْسَتْ فِي قُوَّةِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَيْسَتْ مِنْ كُتُبِ الدَّرَجَةِ الأُولَى التِي لَا يُشَكُّ فِي نِسْبَةِ مَا فِيهَا إِلَى أَبِي يُوسُفَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وَنَسْتَبْعِدُ كُلَّ الاِسْتِبْعَادِ أَنْ يَكُونَ أَبُو وسُفَ مِمَّنْ يَتَحَايَلُ لِمَنْعِ وُجُوبِ عِبَادَةٍ مِنَ العِبَادَاتِ، وَيَجِبُ التَّنْبِيهُ إِلَى أَمْرَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الكَلَامَ فِي حِيلَةِ الزَّكَاةِ هُوَ فِي مَنْعِ وُجُوبِهَا. لَا فِي إِسْقَاطِهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الأَئِمَّةِ الأَعْلَامِ.
(ثَانِيهِمَا) أَنَّهُ لَمْ يُؤْثَرْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ شَيْءٌ فِي التَّحَايُلِ، لِمَنْعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَوْ إِسْقَاطِ حَقِّ الشُّفْعَةِ، فَحِيَلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بَعِيدَةٌ عَنْ مَظَانِّ الرَّيْبِ».
المرجع: " أبو حنيفة، حياته وعصره، آراؤه وفقهه "، الشيخ محمد أبو زهرة، طبعة سنة ١٩٧٦، ص ٤٨٨ هامش، دار الفكر العربي - مصر.

<<  <   >  >>