جمهور فقهاء الأمصار مع أبي حنيفة في هذه المسألة: مالك والشافعي وأحمد والثوري والأوزاعي وغيرهم - ذهبوا إلى أن اللقطة من غير الغنم تعرف ويعلن عنها سنة، فإن جاء صاحبها أخذها، وإن لم يجيء حتى مضت السنة، كان للملتقط أن ينتفع بها إن كان فقيرًا، أو يتصدق بها إن كان غنيًا. فإن جاء صاحبها بعد إنفاقها كان مخيرًا بين أن يجيز الصدقة، أو يضمن الملتقط، ولا شك أن الحديث السابق يؤيد رأي الجمهور، فإنه يأمر الملتقط بعد أن يعرف اللقطة عَامًا ولم يظهر لها صاحب - أن يعرف أوصافها ويحفظ عددها، ثم ينفقها، فإذا كان إنفاقها يجعلها ملكًا له، فلم أمره بحفظ أوصافها قبل الإنفاق؟. وقد جاء في بعض روايات " البخاري " ما يؤيد ذلك، وترجم له البخاري بقوله:(بَابُ إِذَا جَاءَ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ سَنَةٍ رَدَّهَا عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ).
وقد ذهب أهل الظاهر وبعض المحدثين إلى أن الملتقط يملك اللقطة بعد عام، ولا يردها إلى الملتقط (١).
٧ - القُرْعَةُ فِي العِتْقِ:
وَبِسَنَدِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، «أَنَّ رَجُلاً كَانَ لَهُ سِتَّةُ أَعْبُدٍ، فَأَعْتَقَهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَأَقْرَعَ [بَيْنَهُمَ] النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْتَقَ مِنْهُمَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً». وعن أبي هريرة مثل ذلك، ثم قال:
عرض الطحاوي هذا الموضوع ووفاه حقه، وَبَيَّنَ أن القرعة في الأحكام منسوخة بأدلة ذكرها، وبأن العتق لا يتجزأ، فالذي يعتق ستة يعتقون جميعًا، ويستسعون في الثلثين، لأن الوصية تنفذ في حدود الثلث،
(١) انظر " معاني الآثار ": ٢/ ٢٧٣، ٢٧٨؛ و" البخاري ": ٢/ ٣٩، ٤٠؛ و" بداية المجتهد ": ٢/ ٢٥٦.