للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي قال: «وَلَمْ أَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلاَ مِنَ التَّابِعِينَ - رَضِي اللهُ عَنْهُمْ - بِالمَدِينَةِ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَصُومَ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي عَنْ أَحَدٍ».

قال ابن العربي المالكي (*): «إِنَّ الذِي أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ هَدَمَ الأَصْلَ الذِي دَلَّ عَلَيْهِ القُرْآنُ، وَمُرَاعَاةُ القَوَاعِدِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الأَلْفَاظِ».

والواقع أن هذه المسألة مما يبرز الفرق بين الفقهاء، والمحدثين، وأهل الظاهر: فالفقهاء لم يأخذوا بظاهر هذه الأحاديث وحملوها على الإطعام لأن الحي يصوم أحيانًا ببدنه، ويطعم أحيانًا بدلاً من الصيام عندما يكون شيخًا كبيرًا مثلاً، فمعنى صيام الولي عن الميت هنا أي الصيام الذي تمكن فيه النيابة، وهو الصدقة. أما أهل الحديث فقد أخذوا بالنيابة في العبادات التي جاءت فيها أحاديث، ولم يقتبسوا عليها غيرها ولم يتعدوها، أما أهل الظاهر فقد عمموا الحديث «فَاقْضُوا اللَّهَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ»، «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى»، حتى قال ابن حزم: «فَإِنْ كَانَ نَذَرَ صَلاَةً صَلاَّهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ، أَوْ صَوْمًا كَذَلِكَ، أَوْ حَجًّا كَذَلِكَ، أَوْ عُمْرَةً كَذَلِكَ، أَوْ اعْتِكَافًا كَذَلِكَ، أَوْ ذِكْرًا كَذَلِكَ، وَكُلَّ بِرٍّ كَذَلِكَ» (١).

٢ - كَفَّارَةُ الصَّوْمُ:

رَوَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «" جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " هَلَكْتُ " , قَالَ: " وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: " وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ " , قَالَ: " أَعْتِقْ رَقَبَةً " , قَالَ: " لَا أَجِدُ " , قَالَ:


(١) انظر " البخاري " في كتابي الحج والصوم: ١/ ٢٠٩، ٢١٩، ٢٢٠؛ و" الترمذي " و" شرح ابن العربي عليه ": ٣/ ٢٣٨، ٢٤٠، ٤/ ١٥٦، ١٦٠؛ و" النسائي ": ٥/ ١١٦، ١١٧؛ و" أبا داود ": ١/ ٤١٣، و" ابن ماجه ".
وانظر أيضًا " فتح القدير ": ٢/ ٨٣، ٨٥، ٣٠٨، ٣١٠؛ و" المغني ": ٥/ ٨٣، ٨٤؛ و" المحلى ": ٨/ ٢٧، ٢٨؛ و" بداية المجتهد ": ١/ ٢٥٨. وللشاطبي بحث قيم في هذا الموضوع في " الموافقات ": ٢/ ١٥٨، ١٦٨. المطبعة السلفية.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) قول ابن العربي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - كما ورد في " عارضة الأحوذي " كالتالي: «فَلَمَّا قَرَعَ هَذَا الحَدِيثُ سَمْعَهُمْ تَقَبَّلَهُ بَعْضُهُمْ كَمَا نَقَلَهُ بِلَفْظِهِ وَلَبُوسِهِ دُونَ نَظَرٍ فِيهِ فَقَالَ: يَصُومُ الوَلِيُّ عَنْ الوَلِيِّ فَرَاعَى لَفْظًا وَهَدَمَ أَصْلًا وَهُوَ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ إِنَّمَا تُجْزَى بِمَا كَسَبَتْ لَا بِمَا كَسَبَتْ غَيْرُهَا وَلَوْ كَانَتْ عِبَادَاتُ البَدَنِ تُقْضَى بَعْدَ المَوْتِ لَقُضِيَتْ فِي الحَيَاةِ وَلَوْ قُبِلَتْ نِيَابَةً فِي المَمَاتِ لَقُبِلَتْ فِي الحَيَاةِ كَالحَجِّ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ أَيْضًا وَمُرَاعَاةُ القَوَاعِدِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الأَلْفَاظِ».
انظر " عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي " أبو بكر بن العربي (ت ٥٤٣ هـ)، وضع حواشيه الشيخ جمال مرعشلي، (٦) كِتَابُ الصَّوْمِ، (٢٢) بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّوْمِ عَنِ المَيِّتِ، ٣/ ١٩١، الطبعة الأولى: ١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م، دار الكتب العلمية. بيروت - لبنان.

<<  <   >  >>