للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحِيَلُ وَالمَسَائِلُ التِي نَقَدَ البُخَارِيُّ أَهْلَ الرَّأْيِ بِسَبَبِهَا:

موقف المحدثين من الحيل مرتبط تمامًا بالاتجاه الخلقي المنبعث عن ضمير ديني عندهم، ورأيهم في الحيل وثيق الصلة بالنيات والمقاصد، ولهذا صَدَّرَ البخاري كتاب الحيل بحديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، مستدلاً به على إبطالها. وقد امتدحه ابن القيم في هذا، وأكد أن هذا الحديث وحده كافٍ في إبطال الحيل، حيث دل على أن الأعمال تابعة لمقاصدها ونياتها، وأنه ليس للعبد من ظاهر قوله وعمله، إلا ما نواه وأبطنه، لا ما أعلنه وأظهره (١).

وذكر ابن القيم هذا الحديث في موضع آخر، فقال: «إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ كَلِمَتَيْنِ كَفَتَا وَشَفَتَا وَتَحْتَهُمَا كُنُوزُ العِلْمِ وَهُمَا قَوْلُهُ: " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " [فَبَيَّنَ فِي الجُمْلَةِ الْأُولَى أَنَّ العَمَلَ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَلِهَذَا لَا يَكُونُ عَمَلٌ إلَّا بِنِيَّةٍ، ثُمَّ بَيَّنَ فِي الجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ] أَنَّ العَامِلَ لَيْسَ لَهُ مِنْ عَمَلِهِ إلَّا مَا نَوَاهُ وَهَذَا يَعُمُّ العِبَادَاتِ وَالمُعَامَلَاتِ وَالْأَيْمَانَ وَالنُّذُورَ وَسَائِرَ الْعُقُودِ وَالْأَفْعَالِ» (٢).

ومما يؤكد الصلة التي تربط بين اتجاه المحدثين الخلقي وموقفهم من الحيل، أن ابن حجر قد رجع الخلاف في إجازة الحيل إلى الاختلاف في صيغ العقود، هل المعتبر فيها ألفاظها، أو معانيها؟ فمن قال بالأول أجاز الحيل (٣).


(١) " إعلام الموقعين ": ٢/ ١٣٩.
(٢) " إعلام الموقعين ": ٣/ ١٠٣.
(٣) انظر " فتح الباري ": ١٢/ ٢٨٩.

<<  <   >  >>