للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والاطلاع على ثمرات العقول المختلفة: فأبو حنيفة يلتقي مع الأوزاعي ويناقشه، كما سبق، ويناظر مالك أبا حنيفة حتى يعرق من المناظرة معه ويقول لليث: «إِنَّهُ لَفَقِيهٌ يَا مِصْرِيُّ» (١) ويزامل الليث بن سعد مالكًا في الدراسة، ويتلقى عمن تلقى عنه، ثم يسافر إلى العراق، ويرى أبا حنيفة يجيب عن مسألة فيصور الليث انطباعه لهذه الإجابة بقوله: «وَاللَّهِ مَا أَعْجَبَنِي صَوَابُهُ، كَمَا أَعْجَبَنِي سُرْعَةُ جَوَابِهِ» (٢)، ثم يعود الليث إلى مصر، كما يلتقي أبو يوسف بمالك، ثم يتتلمذ محمد بن الحسن عليه ويروي عنه " الموطأ "، ويعلق عليه من وجهة نظر مدرسته، ويتعلم الشافعي بمكة والمدينة، ثم يلتقي بمحمد بن الحسن ويأخذ عنه ويناظره، ويرحل أسد بن الفرات إلى مالك ويسمع منه، ثم يذهب إلى العراق فيلقى أبا يوسف ومحمد بن الحسن، وقد ذكر القاضي عياض أن أبا يوسف أخذ عنه " موطأ " مالك (٣).

وهكذا كانت اللقاءات مستمرة بين علماء العالم الإسلامي، وكانت الخلافات بينهم لا تعدو أن تكون وجهات نظر تحتمل الصواب والخطأ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يُقَدِّرُ مُخَالِفَهُ وَيَحْتَرِمُهُ.

فِي القَرْنِ الثَّالِثِ:

وتواكب أهل الحديث وأصحاب الرأي في مسيرتهم عبر التاريخ، وتجاوز القرن الثاني منحدرين إلى القرن الثالث، حيث نجد أن المذاهب قد استكملت وجودها، ووضحت معالمها، وأضيف المذهب الشافعي والحنبلي والظاهري إلى المذاهب التي كانت موجودة من قبل، وهي المالكية والحنفية وغيرها من مذاهب المجتهدين في القرن الثاني من تلك المذاهب التي لم يقدر لها البقاء إلا فترة من الزمن كمذهب الأوزاعي وسفيان الثوري.


(١) " مالك " لأبي زهرة: ص ١٤٨؛ و" الانتقاء ": ١٢، ١٥.
(٢) " المناقب " للموفق المكي: ١/ ١٦٣.
(٣) " الفهرست ": ص ٣٠٢، كما أثنى عليه يحيى بن معين وغيره، وانظر " تاريخ بغداد ": ١٣/ ٣٤٥ وما بعدها.

<<  <   >  >>