للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا تصح الصلاة بإزائها، وهذا مستبعد، لأنه صح «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي إِلَى بَعِيرِهِ»، وإما لما يكون في معاطن الإبل من أبوالها وأرواثها وهذا أيضًا غير جائز، لأنهم قد أجمعوا على جواز الصلاة في مرابض الغنم، ومن جعل أبوال الغنم طاهرة جعل أبوال الإبل كذلك، ومن جعل أبوال الإبل نجسة جعل أبوال الغنم كذلك، «فَلَمَّا كَانَتِ الصَّلاَةُ قَدْ أُبِيحَتْ فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ فِي الحَدِيثِ الذِي نُهِيَ فِيهِ عَنِ الصَّلاَةِ فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ , ثَبَتَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ , لَيْسَ لِعِلَّةِ النَّجَاسَةِ مَا يَكُونُ مِنْهَا , إِذْ كَانَ مَا يَكُونُ مِنَ الغَنَمِ , حُكْمُهُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَلَكِنَّ العِلَّةَ التِي لَهَا كَانَ النَّهْيُ , هُوَ مَا قَالَ شَرِيكٌ , أَوْ مَا قَالَ يَحْيَى (١) بْنُ آدَمَ. فَإِنْ كَانَ لِمَا قَالَ شَرِيكٌ فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَكْرُوهَةٌ حَيْثُ يَكُونُ الغَائِطُ وَالبَوْلُ , كَانَ عَطْنًا أَوْ غَيْرَهُ. وَإِنْ كَانَ لِمَا قَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ , فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَكْرُوهَةٌ حَيْثُ يُخَافُ عَلَى النُّفُوسِ , كَانَ. عَطْنًا أَوْ غَيْرَهُ» (٢).

فسبب الاختلاف هو الاختلاف في تصحيح بعض أحاديث النهي، وتأويل بعضها، ليستقيم معناها مع الحديث المتفق على صحته: «وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»، حيث تضعف الآثار الأخرى عن تخصيص هذا الحديث، ومع أبي حنيفة في ذلك إمام المحدثين البخاري.

٣ - صَلاَةُ المُؤْتَمِّ مُنْفَرِدًا خَلْفَ الصَّفِّ:

رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنَ الأَحَادِيثِ، مَا يُفِيدُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -


(١) ذهب شريك إلى أن علة النهي هنا هي النجاسة، لأن من عادة أصحاب الإبل التغوط والتبول بقرب إبلهم، وقال يحيى بن آدم: إن علة النهي هي الخوف من وثوب الإبل فيعطب من يلاقيها حينئذٍ، بدليل ما روي فيها: «إِنَّهَا جِنٌّ مِنْ جِنٍّ خُلِقَتْ»، و «إِنَّ لِهَذِهِ الإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ [الوَحْشِ]». (" معاني الآثار ": ١/ ٢٣٥).
(٢) " معاني الآثار ": ١/ ٢٣٥.

<<  <   >  >>