للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَسَمَّى المُحَدِّثُونَ خُصُومَهُمْ (أَهْلَ البَاطِلِ وَالكُفْرِ وَالفُرْقَةِ) كما سبق في كتاب المأمون، وَرَمَوْهُمْ بالبدعة والهوى والضلالة والغُرُورِ، كما سبق في مقدمة الخطيب لكتابه " شرف أصحاب الحديث " (١).

وينبغي أن نشير إلى أن الخصومة للمتكلمين لم تكن مقصورة على أهل الحديث، بل إن الفقهاء أيضًا لم تكن علاقتهم بالمتكلّمين علاقة مَوَدَّةٍ، ولم يكن رأيهم فيهم حسنًا. ولكن البحث يدور هنا على العلاقة التي يكون أهل الحديث طرفًا فيها (٢).

الخُصُومَةُ بَيْنَ المُحَدِّثِينَ وَالفُقَهَاءِ:

وكما نشبت الخصومة بَيْنَ المُحَدِّثِينَ وَأَهْلِ الكَلَامِ نشبت أيضًا خصومة بَيْنَ المُحَدِّثِينَ وَالفُقَهَاءِ، ولكنها كانت مقصورة على فقهاء الرأي في البداية ثم أصحبت بينهم وبين عامة الفقهاء في عصور التقليد.

اتهم المحدثون فقهاء أهل الرأي بجهل السنة والرغبة عنها، والاغترار بالعقل وإعطائه من التقدير فوق ما يستحق. ولذلك يضعهم ابن قتيبة في صف المتكلّمين فيوجه هجومه إلى هؤلاء وهؤلاء، يقول: «ثُمَّ نَصِيرُ إِلَى أَصْحَابِ الرَّأْيِ، فَنَجِدُهُمْ أَيْضًا يَخْتَلِفُونَ وَيَقِيسُونَ، ثُمَّ يَدَّعُونَ القِيَاسَ وَيَسْتَحْسِنُونَ، وَيَقُولُونَ بِالشَّيْءِ وَيَحْكُمُونَ بِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ ...» (٣).

ويقول: «وَلَمْ أَرَ أَحَدًا أَلْهَجَ بِذِكْرِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وتنقصهم والبعث عَلَى قَبِيحِ أَقَاوِيلِهِمْ، وَالتَّنْبِيهِ عَلَيْهَا، مِنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ


(١) انظر ما سبق في ص ٩٥، ٩٦.
(٢) انظر " الانتقاء " لابن عبد البر: ص ٧٨، ٨٣ حيث روى ذم الشافعي لأهل الكلام.
(٣) " تأويل مختلف الحديث ": ص ٦٢.

<<  <   >  >>