للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْحَنْظَلِيِّ المَعْرُوفِ بِابْنِ رَاهَوَيْهِ». «وَكَانَ يَقُولُ: نَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى، وَسُنَنَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَزِمُوا القِيَاسَ ...» (١).

والواقع أَنَّ حَمْلَةَ المُحَدِّثِينَ على أصحاب الرأي - أو بعبارة مساوية، على أصحاب أبي حنيفة - كانت عنيفة ملتهبة، يشوبها شيء من الجور، ويقودها كثير من التزمت وعدم التسامح، حتى إن بعضهم ما كانوا يسمحون لأصحاب الرأي بالجلوس إليهم والاستماع منهم، وقد نلتمس لهم العذر إذا تذكرنا ما سبق أن أشرنا إليه، من سلوك أهل الرأي طريق الجدل والمناقشة التي قد تدفع المحدثين إلى مضايق الكلام أو مجاهله، فيحصرون أو يفحمون (٢). ولكن هذا لا يعني أَنَّنَا نُؤَيِّدُ هَذَا السُّلُوكَ مِنْ بَعْضِ المُحَدِّثِينَ، فإن العلم الذي يحملونه مأمورون بتبليغه، وليس لهم الحق في منعهم من شاءوا منه.

وقد ذكر لنا الخطيب بَعْضَ هَؤُلَاءِ المُتَزَمِّتِينَ، فَرَوَى عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ، قَالَ: «" قَدِمَ عَلَيْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الفَزَارِيُّ [قَالَ]: فَاجْتَمَعَ النَّاسُ يَسْتَمِعُونَ مِنْهُ قَالَ: فَقَالَ لِي: " اخْرُجْ إِلَى النَّاسِ فَقُلْ لَهُمْ: مَنْ كَانَ يَرَى رَأْيَ القَدَرِ فَلَا يَحْضُرْ مَجْلِسَنَا، وَمَنْ كَانَ يَرَى رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَحْضُرْ مَجْلِسَنَا، وَمَنْ كَانَ يَأْتِي السُّلْطَانَ فَلَا يَحْضُرْ مَجْلِسَنَا قَالَ: " فَخَرَجْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّاسَ "».

وَرَوَى «أَنَّ أَبَا يُوسُفَ جَاءَ إِلَى شَرِيكٍ فَسَأَلَهُ أَنْ يُحَدِّثَهُ [بِهَذَا الحَدِيثِ]، فَأَبَى شَرِيكٌ أَنْ يُحَدِّثَهُ».


(١) " تأويل مختلف الحديث ": ص ٦٥.
(٢) روى ابن عبد البر في " الانتقاء " ص ٧٦ أنَّ أحمد بن حنبل قال: «مَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيثِ [حَمَلَ مَحْبَرَةً] إِلَّا وَلِلْشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ مِنَّةٌ»، ورُوِيَ مثل ذلك عن الربيع بن سليمان وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ: «إِنَّ أَصْحَابَ الرَّأْيِ كَانُوا يَهْزَأُونَ بِأَصْحَابِ الحَدِيثِ حَتَّى عَلَّمَهُمُ الشَّافِعِيُّ وَأَقَامَ الحُجَّةَ عَلَيْهِمْ».

<<  <   >  >>