جمع البخاري بين الهبة والشفعة في باب واحد، للتحيل على إسقاط الشعفة باستخدام الهبة في بعض المسائل. وقد ذكر قول:«بَعْضُ النَّاسِ» في هذا الباب خمس مرات: الأولى استخدمت فيها الهبة حيلة لإسقاط الزكاة، والأربع الباقية خاصة بحيل الشفعة، أعم من أن يستخدم في إسقاطها الهبة أو غيرها.
ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِأَجْنَبِيٍّ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا مَعَ الكَرَاهَةِ، لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، الذِي أَفَادَ عِنْدَهُمْ الكَرَاهَةَ لَا التَّحْرِيمَ. إلا أن تزيد الهبة زيادة متصلة، أو يموت أحد المتعاقدين، أو يعوضه الموهوب له عن الهبة، أو يتصرف فيها تصرفًا يخرجها عن ملكه، فليس له حق الرجوع في هذه الصور.
فإذا كانت الهبة لذي رحم محرم فلا رجوع فيها، وكذلك ما وهب أحد الزوجين للآخر. وقد جاء في بعض الأحاديث ما يفيد استثناء الوالد فيما وهبه لولده، حيث يحق له الرجوع في هبته، وَقَدْ أَوَّلَ الأحناف ما جاء في ذلك بأن الوالد يمتلك ما أعطاه لابنه عند الحاجة والفقر، فهو لم يرجع في هبته حينئذٍ، ولكنه شيء أوجبه اللهُ له لفقره وقد وجدنا الشارع يفرق بين من تعود إليه صدقته بفعله، ومن تعود إليه صدقته بسبب خارج عنه، «فَعُمَرُ بْنِ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لَمَّا أَرَادَ شِرَاءَ صَدَقَتِهِ مَنَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ولكنه لم يمنع