للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من عادت إليه صدقته بغير فعله، حيث روى أن رجلاً تصدق على أمه بحديقة، ثم ماتت ولم تترك وارثًا غيره، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَجَبَتْ صَدَقَتُكَ، وَرَجَعَتْ إِلَيْكَ حَدِيقَتُكَ».

وقد أيد الأحناف مذهبهم بما روي عن الصحابة في ذلك، حتى لقد ذكر الطحاوي أن القياس يقتضي خلاف مذهبهم، وأنهم تركوا القياس تقليدًا للآثار واتباعًا لها: «وَقَدْ وَصَفْنَا فِي هَذَا مَا [ذَهَبْتَ] إِلَيْهِ فِي الهِبَاتِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ إِذْ لَمْ نَعْلَمْ عَنْ أَحَدٍ مِثْلِ مَنْ [رَوَيْنَاهَا] عَنْهُ خِلَافًا لَهَا. فَتَرَكْنَا النَّظَرَ مِنْ أَجْلِهَا وَقَلَّدْنَاهَا. وَقَدْ كَانَ النَّظَرُ - لَوْ خَلَّيْنَا وَإِيَّاهُ - خِلَافَ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ لَا يَرْجِعَ الْوَاهِبُ فِي الهِبَةِ لِغَيْرِ ذِي الرَّحِمِ المَحْرَمِ، لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عَنْهَا [بِهِبَةِ] إِيَّاهَا، وَصَارَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ دُونَهُ فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ مَا [قَدْ] مَلَكَ عَلَيْهِ إِلَّا بِرِضَاءِ مَالِكِهِ. وَلَكِنِ اتِّبَاعُ الْآثَارِ وَتَقْلِيدُ أَئِمَّةِ أَهْلِ العِلْمِ أَوْلَى» (١).

هذا هو رأي الأحناف في الرجوع في الهبة، الذي نقدهم البخاري فيه بقوله: «فَخَالَفَ الرَّسُولَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الهِبَةِ ...».

وأما استخدام الهبة في إسقاط الزكاة فلا تتصور إلا بالمواطأة - والإنفاق مع الموهوب له، لأن الهبة لا تتم إلا بالقبض، فإذا قبضها الموهوب له كان حرًا في التصرف فيها، فلا يتهيأ للواهب الرجوع فيها بعد التصرف، إلا أن يكون هناك اتفاق سابق على أن الهبة صورية. فلو حال الحول على الهبة عند الموهوب له وجبت عليه الزكاة فيها عند الجميع. فإن رجع فيها قبل الحول صح الرجوع عند الأحناف، ويستأنف الحول. فإن كان فعل ذلك مريدًا إسقاط الزكاة سقطت، وهو آثم، لما سبق من أن الأحناف


(١) انظر " معاني الآثار ": ٢/ ٢٣٩، ٢٤٢. وقد قال الطحاوي عبارته هذه في نهاية بحثه.

<<  <   >  >>