الاتجاه إلى أهل الظاهر، معناه الوقوف عند حدود الألفاظ التي وردت من الشارع، دون عناية بالبحث عن عللها ومقاصدها، ودون اهتمام بالقرائن والظروف التي أحاطت بالألفاظ حين ورودها (١).
وقد أشرنا من قبل إلى أن الذاتية في المجتهد - في حدود الإطار المسموح فيه بحرية الاجتهاد - حقيقة لا سبيل إلى إغفالها، ولذلك لم يكن هناك بد من اختلاف الناس في فهم النصوص - التي هي أوعية المعاني - تبعًا لاختلاف ذواتهم وتكوينهم النفسي والعقلي.
وإن ما حدث من الصحابة في غزوة بني قريظة، ليبين لنا مقدار الذاتية، في فهم النصوص، كما يبين لنا تسليم الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذه الذاتية وإقراره لما تؤدي إليه.
فقد طلب الرسول من أصحابه، عقب غزوة الأحزاب، أن يتوجهوا إلى ديار بني قريظة، ليعاقبوهم على خيانتهم للمسلمين ونقضهم للعهود، وطلب - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - من أصحابه ألا يصلي أحد منهم العصر إلا في
(١) الظاهر في اللغة ضد الباطن، وعند الأصوليين: هو اللفظ الدال على معنى متبادر منه، وليس مقصودًا أصليًا بسوق الكلام، مع احتماله للتفسير والتأويل وقبوله للنسخ في عهد الرسالة. كقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥]، باعتبار دلالته على حل البيع وحرمة الربا. فإن الكلام مسوق للتفرقة بين البيع والربا، ردًا على من قالوا: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥]، فدلالته على حل البيع وحرمة الربا دلالة على غير المقصود الأول بالسوق (انظر " أصول التشريع "، للأستاذ الشيخ علي حسب الله: ص ٢٣٢).