للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النِّسَاءِ»، وَقَالَ جَابِرٌ: «وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ» وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: «نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ [الجَنَازَةِ]، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا» (١).

ومذهب البخاري في موجب الأمر والنهي هو مذهب الظاهرية، لا يفارقه إلا في إجازته أن يكون الدليل المخرج لهم عن موجبهما غير منصوص، والظاهرية يشترطون فيه أن يكون منصوصًا.

وقد رأينا في الأمثلة السابقة كيف التقى المحدثون مع أهل الظاهر وكيف صدروا في استخلاصهم للأحكام عن منهج واحد.

ولكن هل يعني هذا أن المحدثين هم الظاهرية، وأن الظاهرية هم المحدثون؟

إن مما لا شك فيه أن بينهما تشابهًا وتلاقيًا كبيرًا في الفكرة والمنهج، ولكن بينهما أيضًا من الفروق ما يجعل من أهل الظاهر فرقة خاصة، لها كيانها المستقل عن أهل الحديث.

ونستطيع أن نصف العلاقة بين المحدثين والظاهرية، بعبارة موجزة نستعيرها من المناطقة، فنقول: إن بينهما عمومًا وخصوصًا مطلقًا، بمعنى أن كل ظاهري فهو من أهل الحديث، ولكن ليس كل محدث ظاهريًا.

وفي الصفحات التالية نعرض للعلاقة بين المحدثين والظاهرية، ثم نوجز القول في أصول الظاهرية ومواطن الخلاف بينهم وبين المحدثين، وعلاقة الظاهرية بالمذاهب الأربعة.

المَذْهَبُ الظَّاهِرِيُّ وَأَثَرُ المُحَدِّثِينَ فِي نَشْأَتِهِ:

قدمنا أن الاتجاه إلى الظاهر له جذوره العميقة إلى عصر


(١) " البخاري بحاشية السندي ": ٤/ ٢٧١. وقد فسر السندي قوله: (إِلاَّ مَا تُعْرَفُ إِبَاحَتُهُ) أي: بقرينة الحال، أو بدلالة السياق. وقول البخاري: (وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ) أي: حكم أمره كحكم المنهي عنه، فتحرم مخالفته. وقولها: (وَلَمْ يُعْزَمْ) مراد به لم نكلفه لضرورة تقتضيه.

<<  <   >  >>