الصحابة، وأن الاتجاه إليه لم يكن مذهبًا ملتزمًا في كل الأحوال ولا في جميع المسائل، بل كان يخضع لذاتية المجتهد فيما يؤديه إليه اجتهاده في بعض المسائل دون بعضها الآخر.
أما أول من جعل الاتجاه إلى الظاهر مذهبًا ملتزمًا، يدعو إليه وينتصر له، فهو داود بن علي (١) الأصفهاني، المتوفى سنة ٢٧٠ هـ (سبعين ومائتين).
وقد كان القرن الثالث، الذي شهد حياة داود - توقيتًا ملائمًا لإعلان هذا المذهب، إذ شهد هذا القرن تميز المذاهب الفقهية، وظهور الدعاة الذين يحتجون لها ويرسون أصولها، فتوفرت فيه العوامل التي ساعدت على ظهوره، والمناخ الصالح لنموه.
وقد أسهم المحدثون بنصيب وافر في نشأة المذهب الظاهري، ويمكننا أن نتبع آثارهم في هذه النشأة، وأن نوجزها فيما يأتي:
١ - أهل الظاهر محدثون، من المحدثين انبثقوا، وعلى أيديهم تخرجوا. وإمامهم داود بن علي قد تلقى علمه على أعلام المحدثين في عصره كإسحاق بن راهويه وغيره، كما تلقى فقهه على أصحاب الشافعي. وقد كان بين أهل الحديث ومذهب الشافعي تعاطف، منشؤه تقدير المحدثين لبلاء الشافعي في نصرتهم، وتقدير ابن حنبل - إمام المحدثين - له وإعجابه به، وقد أعجب
(١) هو داود بن علي بن خلف، أبو سليمان الأصبهاني، سمع سليمان بن حرب ومسدد وغيرهما، ورحل إلى نيسابور فسمع من إسحاق بن راهويه، ثم قدم بغداد فسكنها وصنف كتبه بها. روى عنه ابنه محمد، وزكريا بن يحيى الساجي وغيرهما، وكان محمد بن جرير ممن يختلفون إلى مجلس داود ثم تركه وعقد لنفسه مجلسًا. وقد حاول داود أن يسمع من أحمد بن حنبل فلم يمكنه أحمد من ذلك، لما بلغه مِنْ رَأْيِ داود في القرآن وقوله أنه مُحْدَثٌ، ولذلك قال عنه أبو زرعة: «لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ أَهْلُ العِلْمِ لَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْمِدُ أَهْلَ البِدَعِ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ البَيَانِ وَالآلَةِ، وَلَكِنَّهُ تَعَدَّى». (انظر " تاريخ بغداد ": ٨/ ٣٦٩، ٣٧٥؛ و" تذكرة الحفاظ ": ٢/ ١٣٦، ١٣٧).