إذا جاء أشخاص من خارج المدينة يحملون بضاعة لعرضها في سوق المدينة، فقد نهى المدني عن تلقي هؤلاء الأغراب الجالبين بضائع إلى سوقها، باعتراض طريقهم والانفراد بهم والشراء منهم قبل بلوغهم إلى السوق، لما في ذلك من احتمال الإضرار بأهل السوق، حيث يحتكر المشتري هذه البضاعة، ثم يبيعها بالثمن الذي يحدده، ومن احتمال الإضرار بالجالب وغبنه، حيث تفوت عليه فرصة المنافسة في الشراء وبخاصة عندما يكون جاهلاً بالسعر، فيبيع بأقل من السعر العادي.
وقد أخذ الجمهور بظاهر النهي عن تلقي الركبان فمنع من تلقي الجلب في كل الأحوال، حتى يبلغ بالسلعة إلى السوق. أما أبو حنيفة والأوزاعي فقد بحثا عن علة النهي، وأداهما البحث إلى أن يجيزا تلقي الركبان إذا لم يضر بالناس، فإن أضر بهم كره ذلك البيع ووقع صحيحًا مع الإثم.
والجمهور مع منعه من هذا البيع، يذهب إلى صحته لو وقع، مع إثم المخالف للنهي، أو على أنه يقع غير لازم فيكون للجالب الخيار إذا ورد السوق.
أما أهل الظاهر ومعظم المحدثين فقد ذهبوا إلى بطلان ذلك البيع المنهي عنه ووجوب فسخه، لأنهم لا يفرقون بين أن يكون النهي لصفة ملازمة أو لأمر خارج عن المنهي عنه مجاور له.