للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ هِبَةً «إِذَا نَوَى بِالحَمْلِ الهِبَةَ، لِأَنَّ الحَمْلَ هُوَ الإِرْكَابُ حَقِيقَةً، فَيَكُونُ تَمْلِيكًا لِلْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ مَعْنَى العَارِيَةِ، إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الهِبَةَ فِي العُرْفِ اللَّغَوِيِّ، إِذْ يُقَالُ: " حَمَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا عَلَى فَرَسٍ " وَيُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ، أَيْ تَمْلِيكَ الرَّقَبَةِ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ نِيَّتِهِ. وَقَوْلُ القَائِلِ: " أَخْدَمْتُكَ الجَارِيَةَ "، هُوَ تَمْلِيكٌ لِلْخِدْمَةِ، أَيْ المَنْفَعَةِ دُونَ الرَّقَبَةِ، فَتَكُونُ عَارِيَةً، إِلَّا إِذَا نَوَى بِهَا الهِبَةَ (١).

شَهَادَةُ القَاذِفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ:

قَالَ البُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ ": (بَابُ شَهَادَةِ القَاذِفِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا، وَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: ٤، ٥]. وَجَلَدَ عُمَرُ، أَبَا بَكْرَةَ، وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ، وَنَافِعًا بِقَذْفِ المُغِيرَةِ، ثُمَّ اسْتَتَابَهُمْ، وَقَالَ: «مَنْ تَابَ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُ». وَأَجَازَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَطَاوُوسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعِكْرِمَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، وَشُرَيْحٌ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: «الأَمْرُ عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ إِذَا رَجَعَ القَاذِفُ عَنْ قَوْلِهِ، فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ». [وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، وَقَتَادَةُ: «إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ، وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ»]. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: «إِذَا جُلِدَ العَبْدُ ثُمَّ أُعْتِقَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنِ اسْتُقْضِيَ المَحْدُودُ فَقَضَايَاهُ جَائِزَةٌ». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ القَاذِفِ وَإِنْ تَابَ»، ثُمَّ قَالَ: «لَا يَجُوزُ نِكَاحٌ بِغَيْرِ شَاهِدَيْنِ، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ مَحْدُودَيْنِ جَازَ، وَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ لَمْ يَجُزْ، وَأَجَازَ شَهَادَةَ المَحْدُودِ وَالعَبْدِ وَالأَمَةِ لِرُؤْيَةِ هِلاَلِ رَمَضَانَ». «وَكَيْفَ تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ وَقَدْ نَفَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّانِيَ سَنَةً وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كَلَامِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ حَتَّى مَضَى خَمْسُونَ لَيْلَةً»).

ثم روى في هذا الباب حديثين: أحدهما عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، «أَنَّ امْرَأَةً


(١) انظر " الهداية ": ٣/ ١٦٠، ١٦١.

<<  <   >  >>