للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا نستطيع أن نحكم بقلة الفقه على من أثر عنه قليل من الفتوى، فقد تكون هناك أسباب ثانوية صاحبت هذه القلة، كالتبكير بالوفاة، أو عدم التفرغ للتعليم حتى ينهض التلاميذ بنقل الفتوى، أو غير ذلك فمعاذ بن جبل - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كان من كبار فقهاء الصحابة، وَكَانَ أَحَدَ أَرْبَعَةٍ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَخْذِ القُرْآنِ عَنْهُمْ (١)، وكان الصحابة إذا تحدثوا وفيهم معاذ نظروا إليه هيبة له (٢)، لكن وفاته في وقت مبكر (سنة ١٨ هـ) قللت من فتاواه لقلة الآخذين عنه، وكذلك عثمان بن عفان كان أعلم الصحابة بالمناسك (٣). وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: «لَوْ هَلَكَ عُثْمَانُ وَزَيْدٌ فِي بَعْضِ الزَّمَانِ، لَهَلَكَ عِلْمُ الفَرَائِضِ، لَقَدْ أَتَى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ وَمَا يَعْلَمُهَا غَيْرُهُمَا» (٤)، ومع ذلك فلم يكن من المكثرين في الفتوى لأنه كان يهاب الحديث - كما نقل ابن سعد -، ولأن الظروف السياسية التي أحاطت به لم تمكن لفتاويه من الانتشار.

المُحَدِّثُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ:

وكما تفاوت الصحابة في مقدار ما أثر عنهم من فتوى تفاوتوا في مقدار روايتهم للحديث ما بين مُقِلٍّ وَمُكْثِرٍ، غير أن قلة المروي من الحديث عن فقهاء الصحابة - ممن كانت لهم عناية بالفتوى - لا تعني أنهم لم يكونوا يعلمون من الحديث إلا ما رووه، فإنهم ما كانوا يرون الحديث إلا في مناسبة تستدعيه، إذ لم يكن من همهم ولا من قصدهم الاشتغال بالرواية وحدها. إنهم في الحقيقة قد امتلأت قلوبهم بسنة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأشربت بها نفوسهم، وامتزجت


(١) " إعلام الموقعين ": ١/ ١٨.
(٢) " إعلام الموقعين ": ١/ ٢٠.
(٣) " الطبقات " لابن سعد: ج ٣ قسم ١ ص ٣٩.
(٤) " سير أعلام النبلاء " للذهبي: ٢/ ٣١٢ تحقيق الأستاذ إبراهيم الأبياري.

<<  <   >  >>