للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكونوا متساويين في القدرات العقلية، ولم تكن الظروف المهيأة للتحصيل العلمي مواتية لكل منهم، إذ أن بعضهم كان يطيل ملازمة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيسمع منه ويتفقه عليه، على حين أن آخرين منهم كانوا مشغولين بالجهاد في سبيل الله، أو بشؤون الحياة من زراعة، أو تجارة أو غير ذلك، كما قال طلحة بن عبيد الله الصحابي: «إِنَّا كُنَّا أَهْلَ بُيُوتَاتٍ وَغَنَمٍ وَعَمَلٍ، كُنَّا نَأْتِي رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرَفَيْ النَّهَارِ» (١)، ولذلك قال مسروق: «جَالَسْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانُوا كَالإِخَاذِ: الإِخَاذَةُ تَرْوِي الرَّاكِبَ، وَالإِخَاذَةُ تَرْوِي الرَّاكِبَيْنِ وَالإِخَاذَةُ تَرْوِي العَشَرَةَ، وَالإِخَاذَةُ لَوْ نَزَلَ بِهَا أَهْلُ الأَرْضِ لأَصْدَرْتُهُمْ، وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ - يعني ابن مسعود - مِنْ تِلْكَ الإِخَاذِ» (٢). ولذلك كان يغيب عن كثير من الصحابة سنن حفظها غيرهم (٣).

وإذا كان الإحصاء التقريبي لعدد الصحابة الذين توفي عنهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو مائة وأربعة عشر ألفًا (٤) فإن من أثر عنهم الفتوى من الصحابة لا يتجاوز المائتين، فقد ذكر ابن حزم أسماء الصحابة مرتبًا لهم حسب ما أثر عنهم من الفتوى قلة وكثرة، ثم قال: «فَهُمْ مِائَةٌ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رَجُلاً وَعِشْرُونَ امْرَأَةً، فَالجَمِيعُ مِائَةٌ وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ، مِنْهُمْ المُكْثِرُونَ سَبْعَةٌ، ذَكَرْنَاهُمْ أَوَّلاً عَلَى الوَلَاءِ، وَمِنْهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مُتَوَسِّطُونَ، وَالبَاقُونَ مُقِلُّونَ جِدًّا» (٥).


(١) " السنة قبل التدوين " للدكتور محمد عجاج الخطيب: ص ٤٢٥.
(٢) " إعلام الموقعين ": ١/ ١٨.
(٣) انظر أمثلة لذلك في " الإحكام " لابن حزم: ٢/ ١٢ وما بعدها.
(٤) انظر: " السنة قبل التدوين ": ص ٤٠٦.
(٥) الرسالة الثالثة من " جوامع السيرة وخمس رسائل أخرى " لابن حزم: ص ٢٢٢، وانظر أيضًا أسماء المكثرين والمتوسطين والمقلين ... في " إعلام الموقعين " مع " حادي الأرواح " لابن القيم: ١/ ١٣، ١٦.

<<  <   >  >>